للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و «جملوها»: يعني أذابوها [ق ١٨٢] وخلطوها، وإنما فعلوا ذلك ليزول عنها اسم الشحم، ويَحدُث لها اسم آخر وهو الوَدَك، وذلك لا يفيد الحِلَّ، فإن التحريم تابع للحقيقة وهي لم تتبدَّل بتبدُّل الاسم.

وهذا الربا تحريمه تابع لمعناه وحقيقته، فلا يزول بتبدل الاسم بصورة البيع كما لم يَزُل تحريم الشحم بتبدل الاسم بصورة الجَمْل والإذابة، وهذا واضح بحمد الله.

وأيضًا: فإن القوم (١) لم ينتفعوا بعَين الشحم، إنما انتفعوا بثمنه، فيلزم مَن وقف مع صُوَر العقود والألفاظ دون مقاصدها وحقائقها أن لا يحرِّم ذلك، لأن الله تعالى لم ينصَّ على تحريم الثمن، وإنما حرَّم عليهم نفس الشحم. ولمّا لعنهم على استحلالهم الثمن، وإن لم ينص على تحريمه، دل على أن الواجبَ النظرُ إلى المقصود وإن اختلفت الوسائل إليه، وأن ذلك يوجب أن لا يُقصد الانتفاعُ بالعَين ولا ببدلها.

ونظير هذا أن يُقال: «لا تقرب مال اليتيم»، فتبيعه وتأكل عِوَضه؛ وأن يقال: «لا تشرب الخمرَ»، فتغير اسمه وتشربه؛ وأن يقال: «لا تَزْنِ بهذه المرأة»، فتعقدَ عليها عقدَ إجارةٍ وتقول: إنما أستوفي منافعها! وأمثال ذلك.

قالوا: ولهذا الأصل ــ وهو تحريم الحِيَل المتضمنة إباحةَ ما حرم الله، أو إسقاطَ ما أوجبه الله عليه ــ أكثر من مائة دليل.

وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن المحلِّل والمحلَّل له (٢)، مع أنه أتى بصورة


(١) ط. الفقي: «اليهود» تغييرًا لما في الأصل.
(٢) أخرجه أحمد (٤٢٨٣)، والترمذي (١١٢٠)، والنسائي (٣٤١٦)، وغيرهم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وروي أيضًا من حديث علي، وأبي هريرة، وعقبة بن عامر، وابن عباس - رضي الله عنهم -، وفي أسانيدها ضعف. انظر: «بيان الدليل» (ص ٣١٨ - ٣٢٢)، و «تفسير ابن كثير» (البقرة: ٢٣٠)، و «التلخيص الحبير» (٣/ ١٧٠ - ١٧١).