للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثالث: أنه موافقٌ لعمل أهل المدينة قديمًا وحديثًا, فإنه لا يُعرف عن أحدٍ منهم أنه حدّ (١) الماء بقُلَّتين. وعملهم بترك التحديد في المياه عمل نقليّ (٢) خلفًا عن سلف, فجرى مجرى نقلهم الصاعَ والمُدَّ والأحباس (٣) وتركَ أخذِ الزكاة من الخضروات. وهذا هو الصحيح المحتجّ به من إجماعهم, دون ما طريقُه الاجتهاد والاستدلال، فإنّهم وغيرهم فيه سواء, وربما تَرَجّح غيرُهم عليهم, وتَرجَّحوا هم على غيرهم. فتأمل هذا الموضع.

فإن قيل: ما ذكرتم من الترجيح فمَعَنا من الترجيح ما يقابله, وهو أن المفهوم هنا قد تأيَّد بحديث النهي عن البول في الماء الرَّاكد (٤) , والأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلبُ, والأمرُ بغسل اليد من نوم الليل (٥). فإنّ هذه الأحاديث تدلّ على أن الماء يتأثر بهذه الأشياء وإن لم يتغيَّر, ولا سبيل إلى تأثر كلِّ ماءٍ بها, بل لا بدّ من تقديره, فتقديره بالقُلّتين أولى من تقديره بغيرهما؛ لأنّ التقديرَ [ق ١٤] بالحركة والأذرع المعينة وما يمكن نَزْحُه وما لا يمكن= تحكّمات (٦) باطلة لا أصل لها, وهي غير منضبطة في نفسها, فرُبَّ حركةٍ تُحرِّك غديرًا عظيمًا من الماء, وأخرى تحرِّك مقدارًا يسيرًا منه,


(١) ط. الفقي: "حدد" خلافًا للأصل.
(٢) في الأصل والمطبوعات: "عملًا نقليًّا" والوجه ما أثبت.
(٣) ط. الفقي: "والأجناس" خطأ. والأحباس هي الأوقاف. ينظر: "مجموع الفتاوى": (٢٠/ ٣٠٦).
(٤) أخرجه البخاري (٢٣٩)، ومسلم (٢٨٢) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٥) تقدم تخريجهما (ص ٥٣ - ٥٤).
(٦) ط. الفقي: "تقديرات" خلافًا للأصل.