للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو الوصف الذي اعتبره الشارع. واعتبروا في الجاري والواقف القلتين، والشارع لم يعتبره, بل اعتبر الوقوف والجَرَيان.

فإن قيل: فإذا لم تخصصوا الحديثَ ولم تقيِّدوه بماء دون ماء, لزمكم المحال, وهو أن يُنهى عن البول في البحر, لأنه دائم لا يجري.

قيل: ذِكره - صلى الله عليه وسلم - الماءَ الدائم الذي لا يجري تنبيهٌ على أن حِكْمة النهي إنما هي ما يُخشَى من إفساد مياه الناس عليهم, وأن النهي إنما تعلَّق بالمياه الدائمة التي من شأنها أن يُفسدها الأبوال. فأما الأنهار العِظام والبحار فلم يدل نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -[عليها] (١) بوجه, بل لمَّا دلَّ كلامُه بمفهومه على جواز البول في الأنهار العظام كالنيل والفرات، فجواز البول في البحار أولى وأحرى.

[ق ١٥] ولو قُدِّر أن هذا تخصيص لعموم كلامه, فلا يستريب عاقل أنه أولى من تخصيصه بالقُلّتين، أو ما لا يمكن نزحُه, أو ما لا تبلغ الحركةُ طرفيه؛ لأنّ المفسدة المنهيّ لأجلها لا تزول في هذه المياه, بخلاف ماء البحر فإنه لا مفسدة في البول فيه. وصار هذا بمنزلة نهيه عن التخلِّي في الظل (٢)، وبوله - صلى الله عليه وسلم - في ظلِّ الشجرتين (٣)، واستتاره بجِذْم الحائط (٤) , فإنه


(١) زيادة يستقيم بها المعنى.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه مسلم (٣٠١٢) ضمن حديث طويل من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(٤) ولفظه: عن أبي موسى قال: إني كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دَمِثًا في أصل جدار فبال، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد أحدكم أن يبول فلْيَرْتد لبوله موضعًا". أخرجه أبو داود (٣)، والحاكم: (٣/ ٤٦٥ - ٤٦٦)، والبيهقي: (١/ ٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -. وصحّحه الحاكم. وقال المنذري في "مختصره": (١/ ١٥): فيه مجهول.
وجِذْم الحائط: أصله وأساسه. "المصباح المنير" (ص ٣٦ - ٣٧).