للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الشافعي (١): وقد يجوز أن يكون أَمْرُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّ سلمة ــ إن كان أمرها بالحجاب من مكاتبها إذا كان عنده ما يؤدي ــ على ما عظم الله به أزواجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهاتِ المؤمنين وخصّهن منه، وفرّق بينهن وبين النساء إِن اتَّقَينَ، ثم تلا الآيات (٢) في اختصاصهن، بأن جعل عليهن الحجاب من المؤمنين وهن أمهات المؤمنين، ولم يجعل على امرأة سواهن أن تحتجب ممن يَحرُم عليه نكاحُها ــ ثم ساق الكلام إلى أن قال ــ: ومع هذا إنّ احتجاب المرأة ممن له أن يراها واسع لها، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ــ يعني سودة ــ أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها، وذلك يشبه أن يكون للاحتياط، وأن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح، والله أعلم.

فأما حديث أم سلمة فليس صريحًا في أنه يَعتِق بملك الأداء، إنما فيه أمرُ نسائه، أو أمر النساء عامةً، باحتجابهن من مكاتبيهن إذا كان عندهم ما يؤدّون، وهذا لأنهم بملك الأداء قد شارفوا العتق، وقوي سبب الأجنبية بينهم وبين ساداتهم، فاحتجاب النساء ساداتهم منهم أحوط (٣). والعبد ليس بمحرم لسيدته في أحد القولين، وفي الآخر هو محرم لسيدته، للحاجة لهما إلى ذلك، وكثرة دخوله وخروجه عليها، ومِلْكها منافعَه واستخدامَه؛


(١) كما في «المعرفة» (١٤/ ٤٥٠) و «السنن الكبرى» (١٠/ ٣٢٧).
(٢) هي قوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ... } [الأحزاب: ٣٢ - ٣٣]، ولعله تلا أيضًا: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ... } الآية [٥٣].
(٣) أي احتجاب النساء اللاتي هن سادات المكاتَبين منهم أحوط. وغيّر العبارة في ط. الفقي إلى: «واحتجاب النساء عن عبيدهن أحوط».