للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما ادعاؤهم المجازَ في الاستواء، وقولُهم: {اسْتَوَى} بمعنى استولى= فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة: المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد. ومِن حقِّ الكلام أن يحمَل على حقيقته، حتى تتفق الأمة (١) أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أُنزِل إلينا من ربِّنا إلا على ذلك، وإنما يوجَّه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم. ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدّعٍ ما ثبت شيء من العبارات، وجلّ اللهُ أن يخاطِب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين.

والاستواء في اللغة معلوم مفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء، والاستقرار والتمكن فيه. قال أبو عبيدة (٢): في قوله تعالى {اسْتَوَى}، قال: علا، وتقول العرب: استويتُ فوق الدابة، واستويت فوق البيت.

قال أبو عمر: و [الاستواء:] (٣) الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله عز وجل في كتابه فقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف: ١٣]، وقال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: ٤٤]، وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: ٢٨].


(١) ط. الفقي: «حتى يكون اتفاق من الأمة» خلافًا لما في الأصل و «التمهيد»، ولهذا التغيير نظائر في هذا النص المنقول لا نُمِلُّ القارئ بذكرها.
(٢) انظر: «مجاز القرآن» له (١/ ٢٧٣، ٢/ ١٥).
(٣) ساقط من الأصل و (هـ)، واستدركته من «التمهيد».