للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السفر على الإطلاق، وقد أخبر أبو سعيد أنه صام مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الفتح [ق ١٢٨] في السفر (١).

قالوا: وأما قوله: «ليس من البر الصيام في السفر»، فهذا خرج على شخص معين، رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ظُلِّل عليه وجهده الصوم، فقال هذا القول، أي ليس البر أن يَجهد الإنسان نفسه حتى يبلغ فيها (٢) هذا المبلغ، وقد فسح الله له في الفطر. فالأخذ بعموم اللفظ الذي يدل سياق الكلام على إرادته، فليس من البر هذا النوع من الصيام المشار إليه في السفر.

وأيضًا فقوله: «ليس من البر» أي ليس هو أبر البر، لأنه قد يكون الإفطار أبرَّ منه إذا كان في حج أو جهاد يتقوَّى عليه. وقد يكون الفطر في السفر المباح برًّا، لأن الله تعالى أباحه ورخص فيه، وهو سبحانه يحب أن يؤخذ برُخَصه، وما يحبه الله فهو بر، فلم ينحصر البر في الصيام في السفر.

وتكون «مِن» على هذا زائدةً، ويكون كقوله تعالى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} الآية [البقرة: ١٧٧]، وكقولك: ما جاءني من أحد. وفي هذا نظر، وأحسن منه أن يقال: إنها ليست بزائدة، بل هي على بابها. والمعنى: أن الصوم في السفر ليس من البر الذي تظنونه وتنافسون عليه؛ فإنهم ظنّوا أن الصوم هو الذي يحبه الله ولا يحب سواه، وأنه وحدَه البر الذي لا أبرَّ منه، فأخبرهم أن الصوم في السفر ليس من هذا النوع الذي تظنونه، فإنه قد يكون الفطر أحبَّ إلى الله منه، فيكون هو البر.

قالوا: وأما كون الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالمراد به


(١). رواه مسلم (١١٢٠).
(٢). كذا في الأصل، ولعل الصواب: «بها» كما في ط. الفقي.