للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واقعة معيَّنة، وهي غزاة الفتح، فإنه صام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، فكان فطره آخر أمريه، لا أنه حرَّم الصوم. ونظير هذا قول جابر: «كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مسّت النار» (١)، إنما هو في واقعة معينة دعي لطعامٍ فأكل منه، ثم توضأ وقام إلى الصلاة، ثم أكل منه وصلَّى ولم يتوضأ (٢)، فكان آخر الأمرين منه: ترك الوضوء مما مست النار. وجابر هو الذي روى هذا وهذا، فاختصره بعض الرواة، واقتصر منه على آخره، ولم يذكر جابر لفظًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا آخر الأمرين مني. وكذلك قصة الصيام، وإنما حكوا ما شاهدوه أنه فعل هذا وهذا، وآخرهما منه الفطر وترك الوضوء. وإعطاء الأدلة حقها يزيل الاشتباه والاختلاف عنها.

وأما قصة دحية بن خليفة الكلبي، فإنما أنكر فيها على من صام رغبةً عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وظنًّا أنه لا يسوغ الفطر، ولا ريب أن مثل هذا قد ارتكب منكرًا، وهو عاصٍ بصومه.

والذين أمروهم (٣) الصحابة بالقضاء وأخبروا أن صومهم لا يُجزئهم


(١). أخرجه أبو داود (١٩٢)، والنسائي (١٨٥) وابن خزيمة (٤٣)، وابن حبان (١١٣٤)، من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر، عن جابر. وشعيب تفردّ به بهذا اللفظ دون الرواة الآخرين عن ابن المنكدر. قال أبو داود وابن حبان: إن شعيبًا اختصره من حديث طويل. وانظر: «العلل» لابن أبي حاتم (١٦٨).
(٢). هكذا رواها ابن عيينة، وابن جريج، ومعمر، وأيوب، ورَوح بن القاسم، جرير بن حازم؛ ستّتهم عن ابن المنكدر عن جابر. أخرج رواياتهم أحمد (١٤٢٩٩، ١٤٤٥٣)، وأبو داود (١٩١)، والترمذي (٨٠)، وابن حبان (١١٣٠، ١١٣٢، ١١٣٧، ١١٣٩، ١١٤٥).
(٣). كذا في الأصل. وفي «الطبعتين»: «أمرهم».