للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هم هؤلاء، فإنهم صاموا صومًا لم يشرعه الله، وهو أنهم ظنوا أنه حَتْم عليهم كالمقيم، ولا ريب أن هذا حكم لم يشرعه الله، فلم يمتثلوا ما أمروا به من الصوم، فأمرهم الصحابة بالقضاء. هذا أحسن ما حُمِل عليه قول من أفتى بذلك من الصحابة، وعليه يحمل قول من قال منهم: «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر». وهذا من كمال فقههم، ودقة نظرهم - رضي الله عنهم -.

قالوا: وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها»، فهذا يدل على أن قبول المكلف لرخصة الله واجب، وهذا حق، فإنه متى لم يَقبل الرخصة ردّها ولم يرَها رخصة، وهذا عدوان منه ومعصية، ولكن إذا قبلها، فإن شاء أخذ بها، وإن شاء أخذ بالعزيمة. هذا مع أن سياق الحديث يدل على أن الأمر بالرخصة لمن جهده الصوم وخاف على نفسه، ومثل هذا يؤمر بالفطر. فعن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر برجل في ظل شجرة يُرَشُّ عليه الماء، قال: «ما بال صاحبكم هذا؟» قالوا: يا رسول الله صائم. قال: «إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها» رواه النسائي (١).

قالوا: وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أولئك العصاة» فذاك في واقعة معيَّنة، أراد منهم الفطر فخالفه بعضهم فقال هذا. ففي النسائي (٢) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كُراع الغَمِيم، فصام الناس معه، فبلغه أن الناس شقَّ عليهم الصيام، فدعا بقَدَح من ماءٍ بعد العصر فشرب، والناس ينظرون، فأفطر بعض


(١). برقم (٢٢٥٨)، وقد سبق.
(٢). برقم (٢٢٦٣)، وقد سبق أيضًا.