قالوا: وأما تصحيحه بنية من النهار، فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن هذا حجة لمن يقول بجواز صوم الفرض بنية من النهار. قالوا: وهو عمدتنا في المسألة. فليس لكم أن تنفوا وجوبه بناءً على بطلان هذا القول، فإنه دور ممتنع ومصادرة باطلة. وهذا جواب أصحاب أبي حنيفة.
قال منازعوهم: إذا قلتم: إنه كان واجبًا، فقد ثبت نسخه اتفاقًا، وأنتم إنما جوزتم الصوم المفروض بنية من النهار بطريق الاستنباط منه، وأن ذلك من متعلقاته ولوازمه، والحكم إذا نُسِخ نسخت لوازمه ومتعلقاته ومفهومه وما ثبت بالقياس عليه، لأنها فرع في الثبوت على ثبوت الأصل، فإذا ارتفع الأصل امتنع بقاء الفرع بعده.
قال الحنفية: الحديث دل على شيئين: أحدهما: إجزاء الصوم الواجب بنية من النهار، والثاني: تعيين الصوم الواجب بأنه يوم عاشوراء، فنُسِخ تعيين الواجب برمضان، وبقي الحكم الآخر لا معارض له، فلا يصح دعوى نسخه، إذ الناسخ إنما هو لتعيين الصوم وإبداله بغيره، لا لإجزائه بنية من النهار.
الجواب الثاني: أن ذلك الصوم إنما صح بنية من النهار، لأن الوجوب إنما ثبت في حق المكلفين من النهار حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المنادي أن ينادي بالأمر بصومه، فحينئذ تجدّد (١) الوجوب فقارنت النيةُ وقتَ وجوبه، وقبل هذا لم يكن واجبًا، فلم تكن نية التبييت واجبة.