للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من الضروع كاستخراج الأموال من الخزائن بكسرها. وهذا بخلاف الثمرة، فإنها ظاهرة بادية في الشجرة غير مخزونة، فإذا صارت إلى الخِزانة حَرُم الأكل منها إلا بإذن المالك.

قالوا: وأيضًا، فالشهوة تشتد إلى الثمار عند طِيبها، لأن العيون تراها والنفوس شديدة الميل إليها. ولهذا جوز النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها المُزابنة في خمسة أوسقٍ أو دونها في العَرايا لمَّا شَكَوا إليه شهوتهم لها، وأنه لا ثمن بأيديهم (١)، بخلاف اللبن فإنه لا يُرى ولا تشتد الشهوة له، كاشتدادها إلى الثمار.

قالوا: وأيضًا، فالثمار لا صنع فيها للآدمي بحال، بل هي خلق الله سبحانه، لم تتولد من كسب آدميٍّ ولا فِعله، بخلاف اللبن فإنه يتولد من عين مال المالك، وهو العَلَف. وإن كانت سائمة، فلا بد من قيامه عليها ورَعْيه إياها، ومراعاته لها كل وقت. وهذا وإن كان في الثمار، إلا أنه بالنسبة إلى الماشية قليل جدًّا، فإنه لا يحتاج أن يقوم على الشجر كل يوم، فمؤنتها أقل من مؤنة الماشية بكثير. فهي بالمباحات أشبه من ألبان المواشي، إلا أن اختصاص أربابها بأرضها وشجرها أخرجها عن حكم المباحات المشتركة التي يسوغ أكلُها ونقلها، فعَمِلَ الشَّبَهُ في الأكل الذي لا يُجحِف بالمالك دون النقل المضرِّ له.

فهذه الفروق إن صحت، بطل إلحاق الثمار بها في المنع، وكان المصير


(١) ترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - في العرايا ثابت في البخاري (٢١٨٩ - ٢١٩١) ومسلم (١٥٣٩ - ١٥٤٢) من حديث جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولكن اختلف في تفسير العرايا وعلة ترخيصها، وما ذكره المؤلف هنا هو أرجح القولين في ذلك. انظر كلام الترمذي عقب الحديث (١٣٠٢)، و «الأموال» لأبي عبيد (٢/ ١٥٣ وما بعدها).