- وقد أعله البخاري بعلتين: - الأولى: تفرد حكيم الأثرم به عن طريف بن مجالد ولم يتابع عليه، وحكيم قليل الرواية، ومع قلتها فقد تفرد بهذا الحديث عن ثقةٍ مشهور، وحكيم أيضًا: غير معروف بالطلب لقلة حديثه وليس بذاك الحافظ الذي يعتمد على حفظه في قبول ما ينفرد به. - وكما أن حكيمًا قد أتى بمتنٍ منكر، فإنه كذلك جاء بإسنادٍ لم يات به غيره. فتفرد بالإسناد المتن مع حاله الذي بينت يؤكد نكارة هذا الحديث. - ثم إن حكيمًا هذا قد اختلف العلماء فيه: - فقد وثقه ابن المديني في رواية- وأبو داود، وقال النسائي: «ليس به بأس» وذكره ابن حبان في الثقات وكذا ابن خلفون. - وذكره العقيلي وابن عدي في جملة الضعفاء، وضعفه ابن معين، وتقدم نقل كلام البخاري والبزار عليه، وكذا قول ابن المديني. [التهذيب (٢/ ٤١٢). الميزان (١/ ٥٨٦). الإكمال (٤/ ١٢٧)]. - أما تضعيف ابن معين له فإنه مطلق، وأما البخاري فقد ضعف حديثه هذا بعينه، ولا يعني أنه ضعف كل مروياته، وحمل البزار عليه لأجل تفرده بهذا الحديث المنكر الذي لا يعرف إلا من جهته. وأما العقيلي وابن عدي فقد تابعا البخاري. - وأما إدخال ابن حبان له في الثقات فذلك على قاعدته: فإن الخبر الذي رواه لا يرى فِيهِ نكارة من جهة المتن: فإن النهي عن إتيان الحائض ثابت في أحاديثٍ كثيرة، وكذلك النهي عن إتيان النساء في أدبارهن بمجموع الأحاديث الواردة في الباب، وكذلك النهي عن إتيان الكهان كفر من صدقهم ثابت في أحاديث، فكأنه نظر إلى كل فقرةٍ على حدة من جهة مطلق النهي، لا من جهة الحكم على من فعل ذلك. - وأما أبو داود فقد قيل له: «أشعث الأثرم وحكيم الأثرم أيهما أعلى؟ فقال: حكيم فوق أشعث، حكيم حدث يحيى بن القطان عن حماد بن سلمة عنه» [سؤالات الآجري (٥/ق ١)] وقال في موضعٍ آخر (٥/ق ٧): «ثقة حدث عن يحيى بن سعيد عن حماد بن سلمة عنه». - وبذا يظهر بجلاء أن توثيق أبي داود لحكيم ليس توثيقًا مطلقًا، وإنما هو من باب الموازنة، فإن أشعث بن سوار الأثرم: ضعيف [التقريب (١٤٩)] ضعفه أبو داود نفسه [سؤالات الآجري (٣/ ١٢٠ و ١٧٩)] كان يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه، وأما حكيم فقد حدث عن يحيى بن سعيد عن حماد عنه، كما أنه مع قلة روايته قد روى ما وافق فِيهِ الثقات- كما سيأتي- فاعتمد أبو داود على ذلك في رفع شأنه معبترًا أن حاله أرفع من حال أشعث، وعلى هذا فحكيم أوصق من أشعث، لا أنه ثقة على الإطلاق، ومن كان هذا حاله، فإنه لا يقبل تفرده.=