واختلفوا في البحار والمياه والأنهار فروى المسلمون أن الله خلق البحر مرّا زعاقا، وأنزل من السماء الماء العذب كما قال الله تعالى:«وَأَنْزَلْنا من السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ في الْأَرْضِ» ٢٣: ١٨. وكل ماء عذب من بئر أو نهر، من ذلك، فإذا اقتربت الساعة بعث الله ملكا معه طشت، فجمع تلك المياه فردّها إلى الجنّة. ويزعم أهل الكتاب أن أربعة أنهار تخرج من الجنة: الفرات وسيحون وجيحون ودجلة، وذلك أنهم يزعمون أن الجنة في مشارق الأرض.
وأما كيفية وضع البحار في المعمورة، فأحسن ما بلغني فيه ما حكاه ابو الريحان البيروني، فقال أما البحر الذي في مغرب المعمورة وعلى ساحل بلاد طنجة والأندلس، فإنه سمّي البحر المحيط، وسمّاه اليونانيّون أوقيانوس، ولا يلجّج فيه، إنما يسلك بالقرب من ساحله، وهو يمتدّ من عند هذه البلاد نحو الشمال على محاذاة أرض الصقالبة، ويخرج منه خليج عظيم في شمال الصقالبة، ويمتدّ إلى قرب أرض بلغار بلاد المسلمين، ويعرفونه ببحر ورنك، وهم أمة على ساحله، ثم ينحرف وراءهم نحو المشرق، وبين ساحله وبين أقصى أرض التّرك أرضون وجبال مجهولة خربة غير مسلوكة. وأما امتداد البحر المحيط الغربي من أرض طنجة نحو الجنوب، فإنه ينحرف على جنوب أرض سودان المغرب وراء الجبال المعروفة بجبال القمر التي تنبع منها عيون نيل مصر، وفي سلوكه غزر لا تنجو منه سفينة.
وأما البحر المحيط من جهة الشرق وراء أقاصي أرض الصين، فإنه أيضا غير مسلوك ويتشعّب منه خليج يكون منه البحر الذي يسمّى في كل موضع من الأرض التي تحاذيه، فيكون ذلك أوّلا بحر الصين، ثم الهند، وخرج منه خلجان عظام يسمّى كل واحد منها بحرا على حدة، كبحر فارس والبصرة، الذي على شرقيّة تيز ومكران، وعلى غربيّه في حياله فرضة عمان، فإذا جاوزها بلغ بلاد الشّحر التي يجلب منها الكندر، ومرّ إلى عدن، وانشعب منه هناك خليجان عظيمان، أحدهما المعروف بالقلزم، وهو ينعطف فيحيط بأرض العرب حتى تصير به كجزيرة، ولأنّ الحبشة عليه بحذاء اليمن فإنه يسمّى بهما، فيقال لجنوبيّه بحر الحبشة، وللشمالي بحر اليمن، ولمجموعهما بحر القلزم، وإنما اشتهر بالقلزم لأن القلزم مدينة على منقطعه في أرض الشام حيث يستدقّ ويستدير عليه السائر على الساحل نحو أرض البجة. والخليج الآخر المقدّم ذكره، هو المعروف ببحر البربر، يمتدّ من عدن إلى سفالة الزنج، ولا يتجاوزها مركب لعظم المخاطرة فيه ويتّصل بعدها ببحر أوقيانوس المغربي، وفي هذا البحر من نواحي المشرق جزائر الرانج، ثم جزائر الديبجات، وقمير، ثم جزائر الزابج، ومن أعظم هذه الجزائر، الجزيرة المعروفة بسر نديب، ويقال لها بالهندية سنكاديب، ومنها تجلب أنواع اليواقيت جميعها، ومنها يجلب الرصاص القلعي، وسربزه ومنها يجلب الكافور. ثم في وسط المعمورة في أرض الصقالبة والروس، بحر يعرف ببنطس عند اليونانيين، وعندنا يعرف ببحر طرابزندة، لأنها فرضة عليه، ويخرج منه خليج يمرّ على سو مدينة القسطنطينية، ولا يزال يتضايق حتى يقع في بحر الشام الذي على جنوبيّه بلاد المغرب إلى الإسكندرية ومصر، وبجذائها في الشمال أرض الأندلس والروم، وينصبّ إلى البحر المحيط عند الأندلس في مضيق يذكر في الكتب بمعبرة هيرقلس،