للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لإخماد ثورة أباظة باشا سافر مع والده ليشارك في حملة ترجان. وكان آنذاك في آلاي السلحدار. وفي الوقت الذي حمي فيه وطيس الحرب مع أباظة باشا بالقرب من قيسري في ٢٢ ذي القعدة ١٠٣٣ هـ (٧ سبتمبر/ أيلول ١٦٢٤ م)، سنحت له الفرصة من فوق ربوة عالية "أن يشهد بعينيه عن كتب أحوال تلك الحرب".

ويقول في كتابه (فذلكه) وهو يروي قصة المعركة تلك مجددًا بها الذكرى وكان الفقير [يقصد نفسه كعادة العلماء العثمانيين عند الحديث عن أنفسهم تواضعًا] واقفا في ذلك المحل، فرأيت الباشا المرحوم الصدر الأعظم (طباني ياصِّى محمد باشا) وقد وضع على رأسه خوذة محلاة بماء الذهب، ولا يزال صليل رمحه في أذني إلى "الآن". وشارك كاتب جلبي في حملة العراق عام ١٠٣٥ هـ (١٦٢٥ - ١٦٢٦ م)، وفي ١٢ رمضان من نفس العام (٧ يونية/ حزيران ١٦٢٦ م) فتسلق برجًا عاليًا خلف جناح السلحدارية، وشاهد سير المعركة، وكانت طلقات المدافع من برج الأعاجم تمر من فوقه، رغم بعد المسافة (١). واستمر الحصار هناك تسعة أشهر، وشهد بعينيه كيف تكون ضراوة الحروب. ونتيجة لغلبة الخصم بسبب القحط انقطع الأمل وبدأت رحلة العودة، وعندها عانى من الضيق أعظمه مع الجميع. ولكنه راح يسلي نفسه متعللا بأن البلية إذا عمت طابت.

وقد أوجز كاتب جلبي تصويره المؤلم لتلك العودة بقوله: "لم تكن المشقة التي عاناها عساكر الإسلام في هذا الطريق شيئًا حدث في التاريخ من قبل"، ولما بلغوا مدينة الموصل توفي والده في شهر ذي القعدة عام ١٠٣٥ هـ (أغسطس سبتمبر ١٦٢٦ م)، ودفن هناك في مقبرة الجامع الكبير. ولم يمض شهر آخر حتى توفي عمه عند موضع (جَرّاحْلو) بالقرب من نصيبين. وعلى هذا رجع كاتب جلبي إلى ديار بكر مع أحد أقربائه، ومكث هناك مدة وقام أحد زملاء والده ويدعى أحمد خليفة بتعيينه مساعدًا في "قلم" مقابلة السواري" (٢).

وفي عام ١٠٣٧ هـ (١٦٢٧ - ١٦٢٨ م) عاد إلى إستانبول، وراح يواظب على دروس قاضي زاده منلا قاسم ت ٨٩٩ هـ / ١٤٩٤ م. ثم شارك بعد ذلك في حصار


(١) فذلكة ٢/ ٨٣ وما بعدها.
(٢) هو أحد أقلام الديوان الهمايوني، وكانت مهمته مسك دفاتر جنود سواري القبوقولية، وتنظيم تذاكر علوفاتهم ورواتبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>