للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مدينة أرضروم، وبعد الحصار الذي دام سبعين يومًا بلا طائل لقي مع غيره عناءً كبيرًا في الطريق إلى توقاد، فقد تجمدت أيادي وأرجل الغالبية من شدة البرد وبترت بعضها، ومات من مات، وتعرض هو خلال تلك الكارثة للكثير من المحن والآلام "التي لم تحدث من قبل".

وفي عام ١٠٣٨ هـ (١٦٢٨ - ١٦٢٩ م) حضر مدة إلى إستانبول، وراح يواظب على دروس قاضي زاده محمد أفندي (ت ١٠٤٥ هـ / ١٦٣٥ م)، وتأثر به كثيرًا، فقد كان الرجل عالما طلق اللسان عظيم التأثير في نفوس سامعيه، يحضهم على طلب العلم والتخلص من الجهل، فجعله يتعلق به وجذبه إلى طريق الشغل وتحصيل العلم جذبة وأي جذبة". وبدأ يتذاكر معه العلوم العالية التي درسها من قبل، وظل مداومًا على دروسه ووعظه حتى خرج للحرب مرة أخرى مع خسرو باشا (١). وفي عام ١٠٣٩ هـ (١٦٢٩ - ١٦٣٠ م) كان في حاشية خسرو باشا مشاركًا إياه في حملتي همدان وبغداد، وقد رَوَى فيما بعد ما تعرضوا له أثناء تلك الحرب، وأشار إلى المدن والمواقع التي استولوا عليها، مثل قلعة كلعنبر وحسن آباد وهمدان وبستون وغيرها، وذلك في كتابه الكبير في الجغرافيا المعروف باسم (جهاننما) (٢) وفي كتابه (فذلكه) (٣). وعقب حرب همدان في عام ١٠٤٠ هـ (١٦٣٠ - ١٦٣١ م) رافق الجيش عندما نزل به خسرو باشا إلى بغداد.

ويذكر كاتب جلبي حصار الجيش العثماني لبغداد الذي بدأ في ٢٢ صفر ١٠٤٠ هـ (٣٠) سبتمبر (١٦٣٠ م) في كتابه (فذلكه)، فيقول إنه بسبب الأمر الصادر خلافًا للقاعدة العامة جاء الجيش كله إلى قرب المتاريس ورابط هناك، فارتبك الجميع ورفعوا خيامهم ثم نصبوها خلف المتاريس، وقام كل واحد بحفر خندق أمام خيمته، ثم يصور كاتب جلبي الأمور ببعض الصور الحية عندما يقول: "وكنا نقوم بتكويم القرب الجرداء ونفتح دفتر المقابلة ونجلس وراءه، وفي الليل نحفر حفرة ننام فيها

مثل القبر" (٤).


(١) ميزان الحق، ص ١٣٠.
(٢) نشر إبراهيم متفرقة، ص ٣٠٠، ٣٠٢، ٣٠٣.
(٣) فذلكة ٢/ ١١٨ وما بعدها.
(٤) نفس المصدر ٢/ ١٢٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>