للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي عام ١٠٤١ هـ (١٦٣١ - ١٦٣٢ م) عاد كاتب جلبي مرة أخرى إلى إستانبول وراح يواظب على دروس قاضي زاده وقرأ عليه التفسير وإحياء العلوم، وشرح المواقف، والدرر، والطريقة المحمدية.

وفي عام ١٠٤٣ هـ (١٦٣٣ - ١٦٣٤ م) عندما انسحب الجيش تحت قيادة الوزير الأعظم محمد باشا إلى حلب لقضاء الشتاء هناك سافر كاتب جلبي من حلب إلى الحجاز، وفي عودته كان الجيش آنذاك في ديار بكر فقضى فصل الشتاء في تلك المدينة بمصاحبة بعض العلماء والتباحث معهم. وفي عام ١٠٤٤ هـ (١٦٣٤ - ١٦٣٥ م) سافر مع السلطان مراد الرابع في حملته (١٦٣٤ - ١٦٣٥ م) على رَوَان، وروى لنا بالتفصيل مشاهداته وانطباعاته عن تلك الحرب.

وبعد أن قضى قدر عشر سنوات يصاحب الجيش في الحروب والحملات المختلفة، "وتم له بذلك أمر الحج والجهاد" عاد إلى إستانبول بقصد التفرغ الكامل لتحصيل العلم الشريف، والانتقال من "الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" كما هو شائع. وفي إستانبول أنفق على شراء الكتب إرثًا صغيرًا كان له. وكان أثناء إقامته في حلب قد بدأ يسجل أسماء الكتب التي يراها في حوانيت الوراقين، وكان يميل بطبعه إلى مطالعة كتب التاريخ والطبقات والوفيات أكثر من غيرها، حتى استكمل قراءة كل ما وقع تحت يده منها في عام ١٠٤٦ هـ (١٦٣٦ - ١٦٣٧ م). ولما توفي أحد أقربائه عام ١٠٤٧ هـ (١٦٣٨ م) وكان تاجرًا ثريًا ورث عنه عدة أحمال من الأقجه (اسم العملة العثمانية)، فانفق قدر ثلاثة منها على شراء الكتب والباقي على تعمير وإصلاح دار له كانت تقع في الجانب الشمالي لجامع الفاتح (١)، وفي موضع متوسط بين الجامع المذكور وجامع السلطان سليم، ثم تزوج في السنة نفسها.

ولأنه كان قد عزم على الانقطاع للبحث والتأليف لم يشارك هذه المرة في حملة السلطان مراد الرابع على بغداد وراح يواظب على دروس مصطفى أفندي الأعرج الذي اشتهر بالعلم والفضل (٢)، فقد وجد في ذلك الرجل عِلْمًا وفيضًا يزيد عما وجده لدى كل العلماء الذين حضر دروسهم من قبل، فاتخذه أستاذًا له. كما


(١) هو الجامع الذي بناه فاتح إستانبول السلطان محمد الثاني.
(٢) انظر: فذلكة ٢/ ٣٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>