للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم عُنِي الحُفّاظُ لمعرفة طرق الأحاديث وأسانيدها المختلفة، وربَّما يقَعُ إسناد الحديث من طُرُقِ متعدّدة عن رُواةٍ مختلفين، وقد يقع الحديث أيضًا في أبوابٍ متعدِّدة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها، وجاء البخاري فخرَّج الأحاديثَ على أبوابها بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشّاميين، واعتمد منها ما أجمعوا عليه، وكرّر الأحاديث، وفرّق الطُّرق والأسانيد في الأبواب، ثم جاء مسلم فألف مسندَه وحَدًا فيه حَذْوَ البخاري وجَمَع الطرق والأسانيد وبوَّبه، ومع ذلك فلم يستوعبا الصَّحيحَ كلَّه، وقد استدرك النَّاسُ عليهما في ذلك. ثم كتب أبو داود والترمذي والنسائي في السنن، فتوسعوا من الصَّحيح والحَسَن وغَيْره.

قال ابن خلدون (١): أمّا البُخاري - وهو أعلاها رُتبةً - فاستَصعَبَ النَّاسُ شرحه واستَغْلَقوا مَنْحاه من أجل ما يُحتاج إليه من معرفة الطرق المتعدّدة ورجالها من أهل الحجاز والشام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلافِ النّاس فيهم وكذلك (٢) يُحتاجُ إلى إمعان النظر في التفقه في تراجمِه، ولقد سمعتُ كثيرًا من شيوخنا يقولون: شَرحُ كتاب البخاري دَيْنٌ على الأمة. يَعْنُونَ أنّ أحدًا من علماء الأمة لم يُوفِ ما يجب له من الشّرح.

أقول: ولعل ذلك الدِّينَ قُضِيَ بشَرح المحقق ابن حَجَر والقسطلاني والعيني بعد ذلك.

قال المولى أبو الخَيْر (٣): واعلَمْ أنّ قُصارى نظرِ أبناء هذا الزمان في علم الحديثِ النَّظرُ في "مشارق الأنوار"، فإنْ ترفَّعَتْ إِلى "مصابيح" البَغَوِيّ


(١) المقدمة، ص ٥٦٠ (ط. دار الفكر بيروت).
(٢) في م: ولأجل ذلك، والمثبت من خط المؤلف.
(٣) مفتاح السعادة ٢/ ١١٣ - ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>