وقال ابن خَلدونَ في "المقدمة"(١): علمُ أسرار الحروف، وهو المسمى لهذا العهد بالسِّيمياءُ، نُقِل وَضْعُه من الطلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرُّف من المتصوِّفة فاستعمل استعمال العام في الخاص. وحَدَث هذا العلم بعدَ الصَّدر الأول عند ظهور الغُلَاة منهم وجُنوحِهم إلى ظهور الخوارق على أيديهم والتّصرفاتِ في عالم العناصر. وزَعَموا أنّ الكمال الأسمائي مظاهره أرواحُ الأفلاك والكواكب، وأنّ طبائع الحُروف وأسرارها سارية في الأسماء، فهي سارية في الأكوان، وهو من تفاريع علوم السيمياء لا يوقف على موضوعه ولا يُحاط بالعدد مسائله، تعددت فيه تواليف البُوني وابن العَرَبي وغيرهما، وحاصله عندهم وثمرتُه: تصرُّفُ النُّفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماءِ الحسنى والكلمات الإلهيّة الناشئة عن الحُروفِ المُحيطة بالأسرار السارية في الأكوان. ثم اختلفوا في سرَّ التصرُّفِ الذي في الحروف: بم هو؟ فمنهم مَن جعله للمزاج الذي فيه وقَسَم الحُروفَ - بقسمة الطبائع - إلى أربعة أصناف كما للعناصر، فتنوعت بقانون صناعي يُسمونه التكسير، ومنهم من جعل هذا السرَّ للنِّسبة العدَديّة فإنّ حروفَ أبجد دالّة على أعدادِها المتعارفة وضعًا وطبعًا وللأسماءِ أَوْفاقُ كما للأعدادِ يختَصُّ كلُّ صنفٍ من الحُروفِ بصِنفٍ من الأوفاق الذي يناسبه من حيثُ عدَدُ الشَّكل أو عدَدُ الحُروفِ وامتزج التصرُّفُ من السرِّ الحَرْفيّ والسرِّ العددَيّ لأجل التناسب الذي بينهما. فأما سرُّ هذا التناسُب الذي بينَ الحُروفِ وأمزجة الطبائع أو بينَ الحُروفِ والأعداد فأمرٌ عَسِرٌ على الفهم، إذ ليس من قبيل العلوم والقياسات وإنّما مستنده عندهم الذوق والكشف.