للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن الأثير في "النهاية" (١): وقد عرفت أنّ رسُولَ الله كان أفصحَ العرب لسانًا حتى قال له عليٌّ وسَمِعه يُخاطب وفد بنى نَهْد -: يا رسول الله، نحن بنو أب واحد وتراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره، فقال: "أدَّبني ربِّي فأحسَنَ تأديبي"، فكان يخاطب العرب على اختلافِ شعوبهم وقبائلهم بما يفهموه (٢)، فكان الله قد أعْلَمَه ما لم يكنْ يَعْلَمُه غيرُه، وكان أصحابه يعرفونَ أكثر ما يقوله، وما جَهلوه سألوه عنه فيوضِّحه لهم، واستمرَّ عصره إلى حين وفاته وجاء عصر الصَّحابة جاريًا على هذا النمط، فكان اللسان العربي عندهم صحيحًا لا يَتداخله الخَلَلُ، إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم، فامتزجت الألسُنُ ونَشَأ بينهم الأولاد فتعلموا من اللسان العربي ما لا بُدَّ لهم في الخطاب وتركوا ما عَدَاهُ. وتَمادَت الأيامُ إلى أن انقرَضَ عصرُ الصَّحابة، وجاء التابعونَ فسلكوا سبيلهم، فما انقَضَى زمانُهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا، فلمّا أعضَلَ الدّاءُ الْهَمَ اللهُ تعالى جماعةً من أهل المعارف أنْ صَرَفوا إلى هذا الشأنِ طَرَفًا من عنايتهم، فشرعوا فيه حراسة لهذا العلم الشريف.

١١٤٦٩ - فقيل: إن أول مَن جَمَع في هذا الفن شيئًا: أبو عُبَيدةَ مَعْمَرُ (٣) بن المُثَنَّى التَّميميُّ البَصْرِيُّ، توفِّي سنة ٢١٠ (٤)، فجَمَع كتابًا صغيرًا ولم تكن قلتُه لجَهْلِه بغيره فإنّما ذلك لأمرين أحدهما: أن كل مبتدئ بشيءٍ لم يُسْبَق إليه يكون قليلا ثم يكثُر، والثاني: أنّ النّاسَ كانَ فيهم يومَئِذٍ بقيّة وعندهم معرفة فلم يكن الجهل قد عمَّ.


(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ١/ ٤ - ١١ بتصرف واختصار.
(٢) هكذا بخط المؤلف، وفي النهاية: يفهمون"، وفي م: "يفهمونه"، ولا وجود لها في أصل المؤلف.
(٣) تقدمت ترجمته في (٢١٦).
(٤) هكذا بخطه، وهو خطأ، صوابه: سنة ٢٠٩ هـ، كما بيّنا سابقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>