يَعرِضْ لها عارضٌ من البرد واليَبَس ولا من الملوحات والمرارات والحموضات انعقد من ذلك على طول الزَّمان الذَّهَبُ الإبْريز، وهذا المعدنُ لا يتكونُ إلا في البراري الرَّمْلة والأحجارِ الرِّخوة، ومُراعاة الإنسان النارَ في عمل الذَّهَبِ بيده على مثل هذا النظام مما يَشُقُ معرفة الطريق إليه والوصول إلى غايته:
ويا دارَها بالخَيْفِ إِنّ مَزارَها … قريبٌ ولكن دون ذلك أهوالُ
وذكر يعقوب الكندي في "رسالته" تعذُّرِ فعل النَّاسِ لِما انفردت الطبيعةُ بفعله. وخَدَع أهلَ هذه الصناعة وجَهَّلهم وأبطل دعوى الذين يدعون صبغة الذَّهب والفضّة. قال المُنكِرون: لو كان الذهب الصناعي مِثلا للذهب الطبيعي لكان ما بالصَّناعة مِثْلا لما بالطبيعة، ولو جاز ذلك لجاز أن يكون ما بالطبيعة مِثْلا لما بالصناعة، فكنا نجد سيفًا أو سريرًا أو خاتما بالطبيعة، وذلك بط (١). وقالوا أيضًا: الجواهر الصابغة إما أن تكون أصبر على النار من المصبوغ أو يكونَ المَصبوغ أصبرَ أو متساويين، فإن كان الصابعُ أَصبَرَ وَجَب أن يفنى المصبوغ قبل الصابغ، وإن كان المصبوغ أصبَرَ وَجَب أن يفنّى الصابعُ ويبقى المصبوغ على حاله الأول عَرِيًّا عن الصِّبغ، وإن تساويا في الصبر على النار فهما من جنس واحد لاستوائهما في المُصابرة عليها، فلا يكون أحدهما صابغًا ولا مصبوغًا. وهذه الحُجّة الثانية من أقوى حُجَج المُنكِرين.
والجواب من المُثبتين عن الأولى: أنا نجد النّارَ تحصل بالقَدْح واصطكاك الأجرام، والرّيح تحصل بالمراوح، وأكوازُ الفقاع والنوشادر قد تُتَّخذُ من الشَّعير، وكذلك كثير من الزاجات. ثم بتقدير أن لا يوجد بالطبيعة ما يوجَدُ بالصناعة لا يلزمنا الجَزْمُ بنَفْي ذلك ولا يلزمُ منا من إمكان حصول الأمر
(١) في م: "باطل"، وهو تقليد لما في الطبعة الأوربية، والمثبت من خط المؤلف.