الطَّبيعي بالصناعة إمكانُ العكس، بل الأمر موقوف على الدليل. وعن الثانية: أنه لا يلزم من استواء الصابغ والمصبوغ على النار استواؤهما في الماهِيّةِ لِما عَرَفتَ أنّ المُختلفَيْنِ يشتركان في بعض الصفات. وفي هذا الجواب نظرٌ.
وحَكَى لي بعضُ مَن أنفَقَ عمُرَه في الطَّلب أنّ الطُّغرائيَّ ألقَى المِثْقَالَ من الإكسير أوّلًا على ستِّينَ ألفَ ذَهب (١)، ثم إنه ألقى آخِرًا المثقال على ثلاث مئة ألف، وأنّ مريانسَ الرّاهب معلِّم خالد بن يزيد ألقى المثقال على ألف ألف ومئتي ألفِ مثقال؛ وقالت ماريةُ القِبْطيّة: والله لولا اللهُ لَقَلتُ: إِنّ المثقالَ يَملأُ ما بين الخافقين، والجوابُ الفَضل ما قاله الغَزِّي:
كجوهر الكيمياء ليس نرى … مَن ناله والأنامُ في طَلَبِهْ
وصاحبُ "الشُّذور" - من جُملة أئمة هذا الفنِّ - صَرَّح بأن نهايةَ الصِّبغ إلقاء الواحد على الألف في قوله:
وزَعَم بعضُهم أنّ "المقاماتِ" للحريريِّ و"كليلة ودمنة" رموزٌ في الكيمياء، ويزعمون أنّ الصِّناعة مرموزةٌ في صُوَر البرابي. وقد كتب بعضُ مَن جَرَّب وتعب فأقلقه على مصنِّفاتِ جابر تلميذ جَعفر الصادق:
هذا الذي بمقاله … غُرَّ الأوائل والأواخرْ
ما أنت إلا كاسرٌ … كَذَبَ الذي سَمَّاك جابرْ
وكان قد شَغَل نفسه بطلب الكيمياء فأفنَى بذلك عُمُرَه.
(١) في م: "على ستين ألف مثقال من معدن آخر فصار ذهبًا"، وهو تصرف بالنص غريب لا أدري من أين جاءوا به، فالمثبت هو الذي بخط المؤلف، وكذا هو في النشرة الأوربية ونسخة راغب باشا!