للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال الجَلْدَكي: ومن شروط العِلْم (١) أن لا يكتُمَ ما علمه الله من المصالح التي يعود نفعها على الخاص والعام إلا هذه الموهبة، فإنّ الشَّرطَ فيها أنْ لا يُظهرها بصريح اللفظ أبدًا ولا يُعلِمَ بها المُلوكَ لا سيما الذين لا يفهمون. ومن العجب أنّ الظَّهر لهذه الموهبة مَرْصَدٌ لحلول البلاء به من عدة وجوه أحَدُها أنه إن أظهر (٢) لمَن يَنْمُ عليه فقد حَلّ به البلاء؛ لأنّ ما عنده مطلوب: النّاس جميعًا، فهو مُرصَدٌ لحلولِ البلاءِ لأنّهم يَرَوْنَ انتزاع مطلوبهم من عنده وربَّما حَمَلهم الحسد على إتلافه، وإن أظهَرَه لملك يُخافُ عليه منه، فإنّ المُلوكَ أحوَجُ النّاس إلى المال؛ لأنّ به قوام دولتهم، فربَّما يُخيّلُ منه أنه يُخْرِجُ عنه دولته بقدرته على المال لا سيّما ومالُ الدُّنيا كله حقيرٌ عند الواصل لهذه الموهبة.

قال صاحب "كنز الحكمة": فأما الواصل إلى حقيقته فلا ينبغي له أن يعترف به؛ لأنه يَضُرُّه وليس له منفعةٌ البتة في إظهاره، وإنما يصل إليه كل عالِم بطريق يستخرجها لنفسه إمّا قريبة وإما بعيدة، والإرشاد إنّما يكون نحو الطريق العام، وأمّا الطريقُ الخاص فلا يجوز أن يجتمع عليه اثنان، اللهم إلا أن يوفق إنسان بسعادة عظيمة وعناية إلهيّة لأستاذ يُلقنه تلقينا، وهَيْهَاتِ من ذلك إِلَّا مِن جهة واحدة لا غير وهو أن يجتمع فيلسوفان أحدهما واصل والآخَرُ طالبٌ ولا يَسَعُه أن يكتمه إياه، وهذا أعزُّ من الكبريت الأحمر، ومن الأبلق العقوق. انتهى.

ونحن اقتفَيْنا أثرَ الحُكماء في كلِّ ما وضَعْناه من كتبنا. انتهى.

قال في "شَرْح المُكتَسَب": إلا أنّ كتابنا هذا أميز من كل كتبنا ما خلا "الشَّمسَ المُنير" و "غايةَ السُّرور"، فإنّ لكلّ واحدٍ منهما مَزيّةً في العلم والعمل، فمن ظَفِر بهذه الكتب الثلاث فقط من كتبنا فلعله لا يفُوتُه شيء من تحقيق هذا العلم.


(١) في م: "العالم"، والمثبت من خط المؤلف.
(٢) في م: "أظهرها"، خطأ، فالمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>