للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يؤخَذُ جُزافًا تَفَكَّرَ وكان هناك جَمْعٌ من الحَدَّادين يضربون المطارق على التناسب، فتأمَّل، ثم رَجَع وقصد أنواع مناسبات بين الأصوات، ولما حصل له ما قَصَد بتفكُّرٍ كثير وفَيْضٍ (١) صَنَع آلةً وشدَّ عليها إبريسمًا وأنشَد شعرًا في التوحيد وترغيب الخلق على أمور (٢) الآخِرة فأعرضَ بذلك كثير من الخلائق عن الدُّنيا وصارت تلك الآلة معزّزةً بين الحُكَماء، وبعد مدةٍ قليلة صار حكيمًا محققا بالغا في الرياضة بصفاءِ جوهره واصلًا إلى مأوى الأرواح وسعة السَّماوات. وكان يقول: إني أسمعُ نَغمات شهيّةً وألحانات بهية من الحركات الفلكيّة وتمكنتْ تلك النَّغَماتُ في خيالي وضميري، فوضع قواعد هذا العلم.

وأضاف بعده الحُكْماءُ مخترعاتهم إلى ما وضَعَه، إلى أن انتهت النوبة إلى أرسطاطاليس فتفكَّر أرسطو فصنع الأرغنونَ، وهو آلةٌ لليونانيين تُعْمَلُ من ثلاثةِ زقاق كبار من جلود الجواميس يُضَمُّ بعضُها إلى بعض، ويُركَّب على رأس الزّقُ الأوسط زقّ كبيرٌ آخر، ثم يُركَّبُ على هذه الزقاق أنابيب لها ثقب على نِسَبٍ معلومة تخرجُ منها أصوات طيبة مطربة على (٣) حسب استعمال المستعمل.

وكان غَرَضُهم من استخراج قواعدِ هذا الفنّ تأنيس الأرواح والنفوس الناطقة إلى عالم القدس لا مجرَّدَ اللهو والطَّرب، فإنّ النَّفْسَ قد يظهر فيها باستماع واسطة حُسنِ التأليف وتناسبِ النَّغَمات بَسْطٌ، فتذكر صاحبة النفوس العالية ومجاورة العالم العلوي، وتسمعُ نداة ارجعي أيتها النَّفْسُ الغريقةُ في


(١) في م: "وفيض إلهامي"، ولفظة "إلهامي" لا أصل لها بخط المؤلف.
(٢) في م: "في أمور".
(٣) قوله: "نسب معلومة تخرج منها أصوات طيبة مطربة على" سقط كله من م كأنه قفز نظر بين حرفي الجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>