والحق أنَّ اعتبار العمل زائدٌ غير محتاج إليه، وإنما المطلوب العِلمُ باشتقاق الموضوعات، إذ الوضع قد حَصَلَ، وانقضى على أن المشتقات مرويَاتٌ عن أهل اللسان. ولعلّ ذلك الاعتبار لتوجيه التّعريف المنقول عن بعض المحققين.
ثم إن المعتبر فيهما الموافقة في الحروف الأصلية ولو تقديرا، إذ الحروفُ الزائدة في الاستفعال والافتعال لا تمنع، وفي المعنى أيضًا إما بزيادة أو نقصان، فلو اتحدتا في الأصول وترتيبها كضَرَبَ من الضَّرْب، فالاشتقاق صغير، ولو توافقا في الحروف دون الترتيب كجَبَدَ من الجَذْبِ فهو كبيرٌ، ولو
توافقا في أكثر الحروف مع التناسب في الباقي كنعق من النهق، فهو أكبر.
وقال الإمامُ الرّازي: الاشتقاق أصغر وأكبر، فالأصغر: كاشتقاق صِيَغ الماضي والمضارع واسم الفاعل والمفعول وغير ذلك من المصدر، والأكبر: هو تقلّبُ اللفظ المركَّب من الحروف إلى انقلاباته المحتملة، مثلا: اللفظ المركب من ثلاثة أحرفٍ يقبل ستة انقلابات، لأنه يمكنُ جَعْلُ كلّ واحدٍ من الحروف الثلاثةِ أوّلَ هذا اللفظ، وعلى كلٍّ من هذه الاحتمالاتِ الثلاثةِ يمكن وقوع الحرفين الباقيين على وجهين، مثلًا: اللفظ المركَّب من ك ل م) يقبل ستة انقلابات: (كلم)(كمل)(ملك)(لكم)(المك)(مكل)، واللفظ المركَّبُ من أربعة أحرف يقبل أربعةً وعشرون انقلابًا، وذلك لأنه يمكن جعل كلّ واحدٍ من الأربعة ابتداء تلك الكلمة، وعلى كل من هذه التقديرات الأربعةِ يمكنُ وقوع الأحرفِ الثلاثة الباقية على ستة أوجه كما مرَّ، والحاصل من ضرب الستَّةِ في الأربعةِ: أربعة وعشرون، وعلى هذا القياس المركَّبُ من الحروف الخمسة. والمراد من الاشتقاق الواقع في قولهم: هذا اللفظ من ذلك اللفظ، هو الاشتقاق الأصغر غالبًا، والتفصيل في مباحث مشتق من الاشتقاق من الكتب القديمة في الأصول.