في كتاب، فحصل عندَه مُسوَّداتٌ عديدة، فاضطر إلى ترتيبه على حروفِ المعجم والتزم فيه تقديمَ من كان أول اسمه الهمزة، فقدم إبراهيم على أحمد إلى آخره، ولم يذكر أحدًا من الصَّحابة ولا من التابعين إلا جماعةً يسيرة، وكذلك الخُلفاء، يعني الأربعة الراشدين، اكتفاء بالمصنفات الكثيرة، ولم يقتصر فيه على طائفة مخصوصة مثل العلماء والملوك، بل ذكر كلّ من له شُهرة بين النّاس ويقَعُ السؤال عنه، وأتى من أحواله بما وَقَف عليه، معَ الإيجاز، وأثبت وفاته ومولده إن قدر عليه، ورَفَع نسبه، وقيّد من الألفاظ ما لا إِنْ يؤمن تصحيفه، وذكر من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو رسالة ليَتَفكَّة به متأمله. وقد شَنَّع عليه بعض المؤرخين من جهة اختصاره تراجم كبار العلماء في أسطر يسيرة وتطويله في تراجم الشُّعراء والأدباء في أوراق أو صحائف، وربّما يكون مَن طَوَّل ترجمته مطعونا بانحلال العقيدة وهو يثني عليه ويذكر أشعاره وقصائده، ولعلّ العُذر فيه ما أشار إليه من اشتهار ذلك العالم كالشَّمس لا يخفى وعدم اشتهار ذلك الشاعر والله أعلم (١).
ثم ذكر أن ترتيبه كان في شهور سنة ٦٥٤ بالقاهرة مع استغراق أوقاته في فصل القضايا الشَّرعيّة. ولما انتهى إلى ترجمة يحيى بن خالد سافر إلى الشام في خدمة الركاب العالي أبي الفَتْح بيبَرسَ في شوّال سنة ٦٥٩، فكثرت الموانع بتقليد الأحكام عن إتمامه، فاقتصر على ما كان قد أثبته، وختم واعتذر عن إكماله. ثم حصل الانفصال والرُّجوع إلى القاهرة سنة ٦٦٩، صادَفَ بها
(١) كتب المؤلف في حاشية نسخته التعليق الآتي: "ابن خلكان تاريخ مشهور وانبام ملك ظاهر بيبرس نوشته، قال ابن كثير في ترجمة ابن الراوندي: وقد ذكره ابن خلكان ولم يجرحه بشيء، بل مدحه على عادته في العلماء والشعراء، فالشعراء يطيل تراجمهم والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة، والزنادقة يترك ذكر زندقتهم. انتهى".