للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والرابع: النظر في إثبات الجواهر المجرَّدة من العقول والنفوس والملائكة والجن والشياطين وحقائقها وأحوالها.

والخامس: النظر في أحوال النُّفوس البشرية بعد مُفارقتها وحال المعاد.

ولما اشتدت الحاجة إليه اختلفت الطرقُ، فمن الطالبين من رام إدراكه بالبحث والنظر، وهؤلاءِ زمرة الحكماء الباحثين ورئيسهم أرسطو. وهذا الطريق أنفع للتعلُّم لو وَفَى (١) بجملة المطالب وقامت عليها براهين يقينية وهيهات (٢)! ومنهم من سلك طريق تصفية النفس بالرّياضة، وأكثرهم يَصلُ إلى أمور ذوقيّة يكشفها له العِيان وتَجِلُّ أن توصف بلسان. ومنهم (٣) من ابتدأ أمره بالبحث والنظر وانتهى إلى التجريد وتصفية النفس، فجمع بين الفضيلتيْن. ويُنسَبُ مثل هذا الحال إلى سُقراط وأفلاطونَ والشهرَوَرْدِي. انتهى.

وقال الفاضل أبو الخير (٤): وهذا العلم هو المقصد الأقصى والمطلب الأعلى، لكنْ مَن وقف على حقائقه واستقام في الاطلاع على دقائقه فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومَن زلّت به قدَمُه أو طغَى به قلمه فقد ضل ضلالًا بعيدًا وخير خُسرانًا مُبينًا، إذ الباطل يشاكل الحقَّ في مأخَذه، والوَهُم يعارضُ العَقْلَ في دلائلِه جلّ جناب الحقِّ عن أن يكون شريعة لكلِّ وارد أو يُطلع على سرائر قدسِه إلا واحدًا بعد واحد، وقلما يوجَدُ إنسان يصفو عقله عن كَدّر الأوهام. واعلم أنّ من النظر رُتبةً تناظر طريق التّصفية ويَقرُبُ حدها من حدها، وهو طريق الذوق، ويُسمُّونَه الحكمة الذوقية (٥). وممّن وصل إلى هذه الرتبة في


(١) بعده في م بين حاصرتين: "لوفاته"، كأنها إشارة إلى قراءة أخرى.
(٢) بعده في م بين حاصرتين: "وتنبيهات" كأنها إشارة إلى أن الصواب هو هذا.
(٣) سقطت الواو من م.
(٤) مفتاح السعادة ١/ ٢٨٩ - ٢٩٠.
(٥) في حاشية النسخة بخط المؤلف: "طريق الذوق في النظر".

<<  <  ج: ص:  >  >>