للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: نعم يَرِد لكنَّ الجواد قد يَكْبُو والفَتَى قد يَصْبُو ولا تُعدُّ إِلا هَفَوَاتُ العارف وتَدْخلُ الزُّيوفُ على أعلى الصَّوارف (١). ولا يَخْفَى عليكَ أنَّ التعقب على الكُتُب سَيّما الطويلة سَهْل بالنسبة إلى تأليفها ووَضْعِها وتَرْصيفها كما يُشاهد في الأبنية العظيمة والهياكل القديمة حيثُ يَعْتَرِضُ على بانِيهَا مَن عَرِيَ فِي فَنّه عن القوى والقدر بحيثُ لا يَقْدَر على وَضْع حجَرٍ على حَجَر.

هذا جوابي عمّا يَرِدُ على كتابي أيضًا. وقد كتبَ أستاذ البلغاء القاضي الفاضل عبد الرَّحيمِ البَيْساني (٢) إلى العِماد الأصفهاني (٣) معتذرا عن كلام استدركه عليه: إنَّه قد وقع لي شيء وما أدْرِي أوقعَ لك أم لا وها أنا أُخبركَ به، وذلك أني رأيتُ أَنَّهُ لا يَكْتُب إنسان كتابًا في يومه إلّا قال في غَدِه: لو غُيِّرَ هذا لكانَ أحْسَن ولو زِيْدَ لكانَ يُسْتَحْسَن ولو قُدِّم هذا لكانَ أفْضَل، ولو رك هذا لكانَ أجْمَل وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليلٌ على استيلاء النَّقص على جُملة البَشَر (٤). انتهى.

هذا اعتذارٌ قليلُ المِقْدار عن جَميع الإيرادات والأنظار إجمالا، وأما التفصيل فسيأتي في موضع كُلِّ عِلْمٍ مع توجيهه بإنصاف وحِلْمٍ. ورُبَّما زِيْدَ على ما ذكَرَهُ من العلوم على طريق الاستدراك بتمكين مانِح القريحة والذِّهن الدَّرّاك.


(١) هكذا في الأصل، والأصح: "الصيارف".
(٢) عبد الرحيم بن علي بن الحسن المتوفى سنة ٥٩٦ هـ، صاحب ديوان الإنشاء في دولة صلاح الدين الأيوبي وبعدها. تاريخ الإسلام ١٢/ ١٠٧٣.
(٣) عماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الوزير البليغ المعروف بابن أخي العزيز صاحب "خريدة القصر وجريدة العصر" المتوفى سنة ٥٩٧ هـ. تاريخ الإسلام ١٢/ ١١٢١.
(٤) تفرد حاجي خليفة بذكر هذا النص، ولم أقف عليه عند أحد قبله، ونقله عنه الجم الغفير من المؤلفين والمحققين.

<<  <  ج: ص:  >  >>