للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأول: وهو ما يَنْجَلب بالعِلْم من المنافع الدينية، وهو حَقِّيٌّ وخُلُقيٌّ، أشار إلى نَفْعِه الأوّل قوله في الحديث السابق: "فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لله خَشْيَةٌ" إلخ، وإلى نَفْعه الثاني قوله : وتَعْلِيمَهُ لمن لا يَعْلمه صَدَقَةٌ وبَذله قُربةٌ" (١).

الثاني: وهو ما يَنْجَلِبُ بالعِلْم من المنافع الدنيوية، وهو وجدانيٌّ وذُوْقيٌّ وجاهيٌّ رُتَبيٌّ. والوجداني إما راحةٌ أو استيلاء، والراحة: إما من مشقة وجود ظاهر للنَّفْس أو من فَقْدِ سارٍّ لها بالأنس، وكل منهما إما خارجيّ وإما ذاتي، فالرّاحة أربعة أقسام.

وقوله : "وهو الآنس (٢) في الوَحْشة" إشارة إلى الأوّل؛ لأَنَّهُ يُريح بأُنْسِه من كُلِّ قَلَقٍ واضطراب.

وقوله : "والصاحب في الغُربة" إشارة إلى الثاني؛ لأنه يقرُّ من الغَرِيب عَينَهُ ويريحه من حمود النَّفْس من الحُزْن وانكسارها لفَقْد سُرور الأهل والوطن.

وقوله : "والمُحَدِّث في الخلوة" إشارة إلى الثالث لأنَّ العِلْمَ يريحُ المُنْفَرد عن الناس بتحديثه من انقباض الفهم وحموده وهو ألمٌ ذاتيٌّ لأهل الكمال. وهذا هو السِّرُّ في استلذاذ المسامرة والمُنادمة.

وقوله : "الدَّليل على السَّرّاء والضراء"، أي في الماضي والآتي، إشارة إلى الرّابع الذي هو فقد سار ذاتي، أي: إِنَّ العُلوم تقومُ مقامَ ذي الرأي السَّدِيد إذا استُشِيرَ، إِذْ هو دالٌّ لصاحبه على السَّرّاء وأسبابها وعلى الضَّرّاء ومُوجِباتِها فالحيرةُ وجَهْل عَواقب الأمور مؤلم للنَّفْس ومُضَيِّقٌ للصَّدْر لفَقْدِ نُور البَصيرة، فالعِلْمُ يريح من تلك الهموم والأحزان.


(١) في م: "وبذله لأهله قربة"، والمثبت من خط المؤلف.
(٢) في م: "الأنيس"، والمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>