قيل لبعض المناظرين: فيمَ لذتكَ؟ فقال: في حُجة تَتبَخْتر إيضاحًا وشُبهة تتضاءل افتضاحا.
وثانيهما: استيلاءٌ يَجْلِبُ الخيرَ ويُذْهِبُ الضَّيْرَ، وإليه أشار قوله ﵇:"والزَّينُ عند الأخلاء" أي أنَّ العِلْم جمالٌ وحُسْنُ وكمال يجذب القلوب من الأخلاء كما قيل:
العِلْمُ زَيْن وكنزٌ لا نفاذ له … نعمَ القَرِين إذا ما عاقلًا صَحِبا
القسم الثاني: ما يَجْلبهُ العِلْمُ من الوَجَاهِةِ والرُّتْبة، وهي إما عندَ الله، وإما عند الملأ الأعلى، أو عند الملأ الأسفل.
الأول: أشار إليه قوله ﵇: "يرفع الله به أقوامًا"، أي: يُعْلِي مَقامَهُم ورُتْبَتَهُم فيَجْعَلهم في الخَير قادةً وأئمةً أي: شُرفاء النّاس وسادتهم. والقادةُ: جَمْع قائد وهو الذي يجذب إلى الخَيْر، إما مع الإلزام كالقاضي والوالي اللذين إلزامهم على الظاهر وكالخَطِيب والواعظ: اللذين إلزامهم على الباطن وكالأئمة الذين بعلمهم يُهتَدَى وبحالهم يُقتدى.
والثاني: أشار إليه قوله ﵇: "ترغب الملائكة في خلّتهم أي: لهم من المنزلة والمكانة في قُلُوبهم ما استولى على غُيوب بواطنهم فرَغِبوا في محبتهم وأنسُوا بملازَمَتِهم وما استولى على ظواهرهم فيتبركون بمسحهم.
والثالث: أشار إليه قوله ﵇: "يَسْتَغفر لهم كُلُّ رَطب ويابس"، فشَمَل النّاطقَ والنّافِس. قيل: سبب استغفار هؤلاء رُجوع أحكامهم إليهم في صَيْدِهم وقَتْلِهم وحِلِّهم وحُرْمَتِهم.