أولاده تتلقّاها بوصيةٍ منه، وبعضُهم بالقوّة القُدسية القابلية. وكان أقرب عهد إليه إدريس ﵇، فكتب بالقلم واشتُهِرَ عنه من العُلوم ما لم يُشْتَهر عن غيره ولُقب بهِرْمِس الهَرَامِسة والمُثَلَّث بالنِّعْمةِ، لأَنَّهُ كانَ نبيًّا مَلِكًا حَكِيمًا، وجميعُ العُلوم التي ظهرت قَبْل الطُّوفان إِنَّما صَدَرت عنه في قول كثير من العلماء، وهو هرمس الأول، أعني إدريس بن يرد بن مهلايل بن أنُوش بن شِيث بن آدم ﵇ المُتمكّن بصعيد مِصْرَ الأعلى. وقالوا: إِنَّه أوّل مَن تكلَّمَ في الأجرام العُلوية والحَرَكات النُّجومية، وأوّل مَن بَنَى الهياكل وعبد الله فيها، وأوّل مَن نَظَر في الطّب، وأَلَّفَ لأهل زمانه قصائد في البَسائِط والمُرَكَّبات وأنذر بالطُّوفان، ورأى أنَّ آفةً سماوية تلحق الأرضَ، فخافَ ذهابَ العِلْم فبنَى الأهرام التي في صعيد مصر الأعلى وصَوَّرَ فيها جميعَ الصناعات والآلات، ورَسَمَ صفاتِ العُلوم والكَمَالات حِرْصًا على تخليدها.
ثم كانَ الطُّوفان وانقرضَ النَّاسُ فلم يَبْقَ علمٌ ولا أثر سوى مَن في السَّفينة من البَشَر، وذلك مذهَب جميع النّاس إلا المَجُوسَ فَإِنَّهم لا يقولونَ بعموم الطُّوفان. ثم أخذ يتدرج الاستئنافُ والإعادة فعادَ ما اندَرَسَ من العِلْم إلى ما كانَ عليه من الفَضْل والزّيادةِ فأصْبَح مُؤَسَّسَ البُنْيان مُشَيّدَ الأركان لا زالَ مؤيّدًا بالمِلّة الإسلاميّة إلى يوم الحشر والميزان.