للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ولا زِمام، ناسبين ذلك إلى نبيِّهم ﷺ، كلٌّ بحسب ما تدفعه عقيدتُه لروايته، ومزاجُه لصياغته، فانبرى لهم أهلُ الإيمان والعلم والعرفان بالتمحيص والتدقيق، والتعديل والتجريح، فعُرف الكاذب من الصادق، والمخطئُ من الحاذق، وصُنِّفت مصنَّفات تبيِّن أحوالهم ودرجاتهم، من حيث الكذبُ والصدق، والثقةُ والضعف، فتميَّز منهم مَن كان أهلاً للأخذ عنه والترحال، فشُدَّت إليه الرواحلُ والجِمال، وازدحم عليه طلاَّب الحديث والرِّضوان، فسمعوا وكتبوا، وأذاعوا ونشروا، فحُفظت بذلك السنن والآثار فـ «رحم الله سلَفَنا من الأئمَّة المرضيِّين، والأعلام السابقين، والقدوة الصالحين، من أهل الحديث وفقهائهم، قرناً بعد قرن، فلولا اهتبالُهم بنقله، وتوفُّرهم على سماعه وحمله، واحتسابهم في إذاعته ونشره، وبحثهم عن مشهوره وغريبه، وتنخيلُهم لصحيحه من سقيمه، لضاعت السُّنن والآثار، واختلط الأمر والنهي، وبطل الاستنباط والاعتبار» (١).

وكان من هؤلاء الأعلام المفاريد الذين جابوا الدنيا بحثاً عن السنن والآثار، والأعلام والأحبار، مُلحِقُ الصِّغار بالكبار، الإمامُ العلَم، والشيخ الأجَلُّ، مسند الدنيا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سِلَفة السِّلفي الأصبهاني نزيل الإسكندريَّة، المولود سنة (٤٧٤ هـ)، والمتوفَّى سنة (٥٧٦ هـ) عن عُمْرٍ جاوز المائة.

اعتنى به والده في صِغره، فأسمعه الحديث على شيوخ بلده، ففاق أقرانه بكثرة مسموعاته، وجودة قريحته وحفظه، فتصدَّر التدريس في بلده ولَمَّا يَبلِغ العشرين من عمره، ثم تاقت نفسُه للقاء الكبار، فارتحل عن بلده أصبهان متوجِّهاً إلى مدينة العلم والسلام، بغداد التي تركت في نفوس أهل الإسلام ما لا يعلمه إلاَّ الخالق العلاَّم، من أسًى على ضَياعها، وحزن على وقوعها بأيدي أعدائها، نسأل الله تعالى لها الخلَاص، ولأهلها العودة لما كان عليه سلفهم من العلم والإيمان والإخلاص.


(١) من كلام القاضي عياض في مقدمة كتابه الإلماع (ص ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>