وهو موسوعةٌ جغرافية في معرفة معالم مدينة السلام في نهاية القرن الخامس، بمعرفة أسماء محالِّها ودروبها وشوارعها وأسواقها وأنهارها ومواضعها في بغداد، أفي شرقيِّها أم غربيِّها والتي يقسمها نهر دجلة العظيم.
وموسوعةٌ في معرفة الحركة العلمية في ذلك القرن الذي توالت فيه النَّكبات، وتعدَّدت فيه الفتن، وكثر أهل الأهواء والإحن، من رافضة وباطنية، وحروب صليبيَّة، مع ذلك كلِّه لم ينثن أهل العلم في رواية السنَّة وتعليم الدِّين؛ إذ لا نجاة لهذه الأمَّة ولا عِزَّ لها إلاَّ بالرجوع إلى الدِّين الصحيح، من كتاب الله الحكيم، وسنَّة رسوله الأمين ﷺ.
فكان كتاب المشيخة البغدادية أحد نواة تلك الحقبة الزمنية، جمعها السِّلفي مدَّة إقامته بها، وحدَّث بها بعد أن غادرها إلى موطنه الأخير الإسكندرية.
وفوائدُ الكتاب وعوائده كثيرة لا تُحصى، يكفيه من ذلك كلِّه أن حفظ لنا نصوصاً نبويَّة، وطرقاً إسناديَّة قلَّ أن توجد إلاَّ عنده، ناهيك عن الآثار والأشعار والحكايات والأمثال، بل حفظ أمثلة ونماذج من كتب فُقدت، وأجزاء حديثية اندثرت، لم يبق إلاَّ أسماؤها وأسماء مؤلِّفيها في كتب البرامج والمعاجم، فجاءت المشيخة البغدادية تُحيي ذكرها، وتبين ما خفي من أسرارها.
وقد طال إعجابي بهذا الكتاب بعد أن وقفت عليه وتأمَّلته، ثم نسخته وقابَلته، فتبيَّن لي كثرةُ فوائده وعوائده؛ إذ حوى بين طيَّاته علوماً جمَّة من علوم السنَّة وغيرها، وقد بلغ عددُ أوراقه أكثر من أربعمائة ورقة ذات وجهين، وعدد نصوصه يقرب من ثلاثة آلاف بيقين، من بين حديث وأثر، وشعر وإنشاد وخبر، كيف لا ومؤلِّفها عُرف بإتقانه وجودة اختياره وانتقائه، وعُرف بحفظه وإفادته، حتى لُقِّب بألقاب تُنبئ عن علمه وفضله، فهو مسند الدنيا، وبقية المسندين، وحافظ الإسلام، وأعلى أهل الأرض إسناداً، إلى غير ذلك مما قيل فيه وفي علمه.