للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للممكن فهو من الواجب، وهم يسلمون أن كل كمال حصل للمعلوم فهو من علته، فالمعلول أولى بذلك" (١).

وقال أيضًا: "أن يقال كل كمال ثبت للمخلوق فالخالق أحق به، وكل نقص تنزه عنه مخلوق فالخالق أحق بتنزيهه عنه، لأن الموجود الواجب القديم أكمل من الموجود الممكن والمحدث ولأن كل كمال في المفعول المخلوق هو من الفاعل الخالق وهم يقولون: كمال المعلول من كمال العلة فيمتنع وجود كمال في المخلوق إلا من الخالق فالخالق أحق بذلك الكمال.

ومن المعلوم بضرورة العقل أن المعدوم لا يبدع موجودا والناقص لا يبدع ما هو أكمل منه فإن النقص أمور عدمية ولهذا لا يوصف الرب من الأمور السلبية إلا بما يتضمن أمورا وجودية وإلا فالعدم المحض لا كمال فيه كما قال تعالى {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة الآية: ٢٥٥ [فنزه نفسه عن السنة والنوم لأن ذلك يتضمن كمال الحياة والقيومية وكذلك قوله {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق الآية: ٣٨]، يتضمن كمال القدرة وقوله {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سبأ الآية: ٣ [يتضمن كمال العلم وكذلك قوله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام الآية: ١٠٣]، فمعناه على قول الجمهور لا تحيط به ليس معناه لا تراه فإن نفي الرؤية يشاركه فيه المعدوم فليس هو صفة مدح بخلاف كونه لا يحاط به ولا يدرك فإن هذا يقتضي أنه من عظمته لا تدركه الأبصار وذلك يقتضي كمالا عظيما تعجز معه الأبصار عن الإحاطة فالآية دالة على إثبات رؤيته ونفي الإحاطة به نقيض ما تظنه الجهمية من أنها دالة على نفي رؤيته" (٢).


(١) درء تعارض العقل والنقل ٣/ ٣٦٧ - ٣٧٠.
(٢) الصفدية ١/ ٨٨ - ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>