للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحجر الآية: ٣٩]، وقال: {فبعزتك لأغوينهم أَجْمَعِينَ} [ص الآية: ٨٢]، وَقَالَ: {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ لَئِنْ أخرتن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لأحتنكن ذُريَّته إِلَّا قَلِيلا} [الإسراء الآية: ٦٢]، وأمثال هَذَا من الْخطاب الَّذِي يُقِرُّ فِيهِ بِأَنَّ الله ربه وخالقه وخالق غَيره، وَكَذَلِكَ أهل النَّار قَالُوا: {رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ} [المؤمنون الآية: ١٠٦]، وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُم: {وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على رَبهم قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بلَى وربنا} [الأنعام الآية: ٣٠].

فَمن وقف عِنْد هَذِه الْحَقِيقَة وَعند شهودها، وَلم يقم بِمَا أَمر الله بِهِ مِنْ الحَقِيقَة الدِّينِيَّة الَّتِي هِيَ عِبَادَته الْمُتَعَلّقَة بألوهيته وَطَاعَة أمره وَأمر رَسُوله، كَانَ من جنس إِبْلِيس وَأهل النَّار.

فَإِنْ ظَنَّ مَعَ ذَلِك: أَنَّه من خَواص أَوْلِيَاء الله وَأهل الْمعرفَة وَالتَّحْقِيق، الَّذين سَقط عَنْهُم الْأَمر وَالنَّهي الشَّرعيان، كَانَ مِنْ أشر أهل الكفر والإلحاد.

وَمَنْ ظن أَنْ الخَضِرَ وَغَيره سقط عَنْهُم الْأَمر؛ لمشاهدة الْإِرَادَة وَنَحْو ذَلِك- كَانَ قَوْلُه هَذَا من شَرِّ أَقْوَال الْكَافرين بِاللَّه وَرَسُوله، حَتَّى يَدْخل فِي النَّوْع الثَّانِي من معنى العَبْد، وَهُوَ العَبْد بِمَعْنى العابد؛ فَيكون عابدًا لله، لَا يَعبد إِلَّا إِيَّاه؛ فيطيع أمرَه وَأمرَ رُسُله، ويُوالي أولياءه الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ ويُعادي أعداءه.

وَهَذِه الْعِبَادَة مُتَعَلِّقَة بالإلهيَّة لله تَعَالَى، وَلِهَذَا كَانَ عنوان التَّوْحِيد: (لَا إِلَه إِلَّا الله)، بِخِلَاف مَنْ يُقر بربوبيته وَلَا يَعبده، أَوْ يَعبد مَعَه إِلَهًا آخر.

فالإله: هُوَ الَّذِي يألهه الْقلب بِكَمَال الْحبِّ والتعظيم والاجلال وَالْإِكْرَام وَالْخَوْف والرجاء، وَنَحْو ذَلِك.

وَهَذِه الْعِبَادَة هِيَ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ ويَرضاها، وَبهَا وصف المُصطفين مِنْ عباده، وَبهَا بعثَ رُسله.

وَأمَّا العَبْد- بِمَعْنى المعبَّد- سَوَاء أقرَّ بذلك أَوْ أنكرهُ، فَهَذَا الْمَعْنى يَشْتَرك فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>