وبالفرق بَين هذَيْن النَّوْعَيْنِ يعرف الْفرق بَين الْحَقَائِق الدِّينِيَّة الدَّاخِلَة فِي عبَادَة الله وَدينه وَأمره الشَّرْعِيّ الَّتِي يُحِبهَا ويَرضاها ويُوالى أَهلهَا ويُكرمهم بجنته، وَبَين الْحَقَائِق الكونية الَّتِي يَشْتَرك فِيهَا الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْبر والفاجر الَّتي مَنْ اكْتفى بهَا وَلم يَتَّبع الْحَقَائِق الدِّينِيَّة كَانَ مِنْ أَتبَاع إِبْلِيس اللعين والكافرين بِرَبِّ الْعَالمين، وَمن اكْتفى فِيهَا بِبَعْض الْأُمُور دون بعضٍ أَوْ فِي مقَام دون مقَام أَوْ حَال دون حَال نقص من إيمَانه وولايته لله بِحَسب مَا نقص من الْحَقَائِق الدِّينِيَّة» (١).
وأراد شيخ الإسلام هنا أن يُقَسِّم العبودية إلى قسمين: القسم الأول: العبودية الاضطرارية. والقسم الثاني: العبودية الاختيارية.
وذلك أنَّ العبد قد يُطلق ويراد به المُعَبَّد، وقد يطلق ويراد به العابد، فإذا أُطلق وأريد به المُعَبَّد، فإن العبودية تكون حينئذ بمعنى: الخلق، وبمعنى الإيجاد والربوبية، وهذا النوع يُطلق عليه (العبودية الاضطرارية)، وهي عبودية الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى قهرًا واضطرارًا، وليس اختيارًا من الإنسان، وهذه العبودية حاصلة لكل مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فكل المخلوقات من الإنسن والجن والملائكة والأشجار والأحجار وجميع المخلوقات هي عابدة لله سبحانه وتعالى بهذا الاعتبار.
حتى الكفار فهم عابدون لله عز وجل اضطرارًا، أي: خاضعون وذليلون له، وهم في خضوعهم وذلهم هذا ليسوا مختارين، وإنما هم مضطرون إلى ذلك.
وهذه العبودية الاضطرارية بهذا المعنى هي موافقة لربوبية الله سبحانه وتعالى، أي: أنه رب كل شيء، وأنه خالق كل شيء.
وهذه العبودية الاضطرارية لا تُفَرِّق بين أهل الجنة وأهل النار، ولا يصير