للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان بها مؤمنًا.

ومشركو مكة مقرون بهذه العبودية الاضطرارية؛ فإنهم كانوا يَعترفون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، ومع ذلك كانوا يشركون في عبادتهم معه غيره؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلتهمْ مَنْ خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله} [لقمان: ٢٥]، وَقَالَ تَعَالَى: {قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا إِنْ كُنْتُم تعلمُونَ * سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ * قل من رب السَّمَاوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم * سيقولون لله قل أَفلا تَتَّقُون * قل من بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُم تعلمُونَ * سيقولون لله قل فَأنى تُسحرون} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٩].

ومع ذلك لم تنفعهم هذه العبودية وحدها، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف الآية: ١٠٦]؛ فأثبت لهم إيمانًا، لكن هذا الإيمان لم يَنفعهم وحده، بل لا بد أن يُضاف إليه إيمان آخر، وهو عبودية الله سبحانه وتعالى مختارين منقادين لأوامره الشرعية.

قال شيخ الإسلام: «ومعلوم أنَّ المشركين من العرب الذين بُعِث إليهم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا يخالفونه في هذا [أي: في توحيد الربوبية]، وهم مع هذا مشركون» (١).

ولهذا جاء عن بعض السلف أنه سمى الإقرار بالربوبية فقط دون الإلهية: إيمان المشركين، وذلك أن الإقرار بالربوبية والإقرار بالعبودية الاضطرارية من الإيمان، لكن ليس هو كل الإيمان، وليس هو الإيمان الذي ينجي الإنسان يوم القيامة، وليس هو الإيمان الذي يُدخل الإنسان الجنة، ويجعله يخرج من دائرة الكفر إلى دائرة الإسلام، بل لابد من الإتيان بالعبودية الاختيارية التي سيأتي الكلام عنها.

وهذه العبودية الاضطرارية (الجبرية) هي التي جاءت في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ


(١) «مجموع الفتاوى» (٣/ ٩٨) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>