مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم الآية: ٩٣] يعني: إلا سيأتي إلى الله عز وجل وهو خاضع مُقر، ولن يستطيع الهرب يوم القيامة.
فهذه العبودية الاضطرارية هي التي يُتعب الصوفية أنفسهم في الوصول إليها، فهم يعتبرونها الغاية التي يصل إليها العابد، ويفنون أعمارهم في شهود الحقيقة الكونية، مع أنه يشترك في معرفتها وشهودها المؤمن والكافر والبر والفاجر، حتى إبليس- الشيطان الرجيم- مُعترف بهذه الحقيقة؛ حيث قال إبليس فيما قصَّه الله في كتابه عنه:{رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الحجر الآية: ٣٦]، فهو مقر بالربوبية، ولكنه لما استكبر عن تنفيذ الأمر ما نفعه هذا الإقرار؛ فكفر، وتوعده الله بالعذاب الأليم؛ قال تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة الآية: ٣٤].
وكذلك أهل النار قَالُوا:{رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ}[١٠٦ المؤمنون الآية: ١٠٦]، وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُم:{وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على رَبهم قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بلَى وربنا}[الأنعام الآية: ٣٠]، فهم معترفون بربوبية الله تعالى، ولكنهم لم يقوموا بعبودية الألوهية (الاختيارية).
لذلك كان الاشتغال بهذا النوع من العبودية اشتغال بأمر قد فُطر الناس عليه.
وأما النوع الآخر وهو (العبودية الاختيارية)؛ فهي العبودية التي يفعلها الإنسان عن اختيار وإرادة، ولو شاء لتركها.