أي أنهم قد يشهدون ما يُقَدَّر على أحدهم من المعاصي والذنوب، أو ما يُقَدَّر على الناس من ذلك؛ بل من الكفر، ويشهدون أن هذا جار بمشيئة الله وقضائه وقدره، داخل في حُكم رُبوبيته ومقتضى مَشيئته؛ فيَظنون الاستسلام لذلك وموافقته والرِّضا به ونَحْو ذَلِك دينًا وطريقًا وعبادَة؛ ويقولون بأن هذا هو شهود الحقيقة الكونية.
وهذا وجه الغلط عندهم.
أنهم يقررون أن الكُفَّار لا يُلامون على كفرهم، وأنَّ العُصاة لا يلامون على معصيتهم؛ لأنهم- كما يزعمون- قد حَقَّقوا قدرَ الله تعالى!
فأصبح حالهم كحال القدرية من المشركين الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم:{لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}[الأنعام: ١٤٨]، وكذلك في قولهم:{أنطعم مَنْ لو يشاء الله أطعمه}[يس: ٤٧]، وقوله:{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}[الزخرف: ٢٠]؛ فمقولة هؤلاء وحالهم هي نفس مقولة أولئك وحالهم.
ومعلوم عن طائفة من أهل التصوف أنهم عطلوا العبودية عن معناها الحق؛ فجعلوا أمر التوحيد مقصورًا على الإيمان بالحقائق الكونية القدرية؛ فلهم انحراف في باب القَدَر، وخلاصته أنهم جبرية.
وكذلك في مقام التوكل أسقطوا الأسباب، ولم يُفَرِّقوا بين مشيئة الله عز وجل الكونية القدرية وبين مشيئته الدينية الشرعية؛ فلم يفرقوا بين ما شاءه الله كونًا وقدرًا، وبين ما أحبَّه دينًا وشرعًا، وجعلوا الأمرين على حدٍّ سواء؛ فتخبطوا وضَلُّوا في هذا الباب.
ونفاة القدر أرادوا منازعة الله في الربوبية فضاهوا بذلك المجوسية الأولى وهم الزنادقة. (١)