للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزنادقة. (١)

وأول من عرف بنفي القدر، رجل مجوسي يقال سيسويه من الأساورة، وإن كان قد اشتهر أن أول من قال به معبد الجهني. (٢)

وشرك القدرية القائلين بأنَّ الحيوان هو الذي يَخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته، ولهذا كانوا من أشباه المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشَّرِّ إلى الظلمة، فالنور عندهم خَلَقَ الخَيْرَ، والظلمة خلقتِ الشَّرَّ، فصاروا بذلك ثَنَوِيَّةً، وهؤلاء القدرية جعلوا خالقًا مع الله، فزعموا أن العبادَ يَخْلُقُونَ أَفْعَالهم بدون إرادةِ الله ومشيئته.

وأصل بدعة القدرية كانت من عجز عقولهم عن الإيمان بقدر الله والإيمان بأمره ونهيه ووعده ووعيده، وظنوا أن ذلك ممتنع؛ وكانوا قد آمنوا بدين الله وآمره ونهيه ووعده ووعيده، وظنوا أنه إذا كان كذلك لم يكن قد علم قبل الأمر من يطيع ومن يعصي، لأنهم ظنوا أن من علم ما سيكون لم يحسن منه أن يأمر وهو يعلم أن المأمور يعصيه، وظنوا أيضاً أنه إذا علم أنهم يفسدون لم يحسن أن يخلق من يفسد.

فالقدرية يقولون: إن الله سبحانه وتعالى ليس له قدرة ولا تصرُّف في فعل العبد وإنما العبد هو الذي يخلق فعل نفسه، وليس لله تعالى قدرة أو تصرُّف في فعل العبد.

القدرية الذين ينكرون قدرة الله عز وجل في فعل العبد، تراهم يَحتج بنصوص الأوامر، ويقولون: كيف يأمر الله عز وجل بأمر، ويكون مع ذلك هو الذي يَخلق هذا الأمر أو يُقَدِّره على عبده؟! فلا بد أن العبد هو الذي يَخلق فعله.

وهكذا نجد أن بعضًا من أهل الباطل يأتون إلى النصوص فيَبترونها من سياقها،


(١) ذم الكلام ص ٣٠٥.
(٢) تهذيب التهذيب ١٠/ ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>