ويحتجُّون بشيء من الآيات ويتركون البعض الآخر، بينما لو جاء هؤلاء إلى بعض النصوص ونظروا فيها نظرةً شاملةً لوجدوا أنها وازنت بين الأمرين؛ كما قال تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير الآيات: ٢٩: ٢٨]، فإذًا الله عز وجل لا شك أنه كلَّف العباد وأمرهم، ومعلوم أن هذا الأمر فيه قدرة واختيار للعبد.
وكذلك هذه القدرة لا تَخرج عن قدرة الله عز وجل وإرادته؛ ويُفهم من هذا أن الإرادة نوعان: إرادة كونية قَدَرِيَّة، وإرادة دينية شرعية؛ فالإرادة الكونية القدرية هي التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في مثل قوله:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}[الأنعام الآية: ١٢٥]، وأمثاله، فهذا في الإرادة الكونية القدرية، بمعنى: أنه لا يكون في مُلك الله عز وجل ما لا يَشاء وما لا يريد.
ومن مشيئته سبحانه وتعالى: أن جعل للعبد قدرة واختيارًا.
فإذًا هناك ما يتعلق بخلق الله عز وجل وقَدَره الكوني، وهناك ما يتعلق بأمر الله-عز وجل-ومشيئته وإرادته الدينية الشرعية، فالله-سبحانه وتعالى-أمر بتلك الأوامر الشرعية، ولذلك يقول الله عز وجل:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة الآية: ١٨٥].
فهذه إرادة لكنَّها إرادة شرعية؛ لأن أوامر الشرع مَبنية على التيسير.
وكمقارنة بين ما عليه هؤلاء القدرية الذين هم المعتزلة-فقد تلقَّف المعتزلة مقالة القدرية حتى بعد ذلك أصبح إذا قيل: القدرية، فإن الذي يعنى بذلك هم المعتزلة في ذلك الحين-وبين ما عليه هؤلاء الصوفية الجبرية الذين تقدم ذكرهم في الصنف الأول، فإن المقارنة تكون في ناحيتين: