للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف الآية: ٢٩].

أي: أخلصوا الله عز وجل؛ فإقامة الوجوه معناها: الإخلاص لله عز وجل بالعمل، فالله أمر بالقسط، وهو العدل، ولم يأمر بالجور وهو الظلم، وأمر بإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى، ولم يأمر بالشرك والفواحش.

وكذلك في قوله سبحانه عن المشركين: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حَرَّمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا} [الأنعام الآية: ١٤٨]، فردَّ عليهم بهذا السؤال: {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} [الأنعام الآية: ١٤٨]؛ فالذي يَدَّعي هذه الدعوة بمجرد أن يُسأل هذا السؤال سيفر؛ لأن ادَّعاءه أنه من أهل الحقيقة وتخصيصه بترك التكاليف- ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة .. فهي دعوى زائفة وباطلة.

وانظر هذا السَّرد كيف يوضح هذه العلاقة؟ فهذه الأصناف من المتصوفة فيها شَبَه من المشركين، وكذلك أهل الكلام فيهم شَبَه بالمشركين من هذا الوجه؛ لأن الجهميَّة- أيضًا- جبرية يحتجون بالقَدَر على كفرهم ومعاصيهم، وقد قال الله عن المشركين: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل الآية: ٣٥] (١).

فكل مخالفة لأوامر الله عز وجل واحتجاج بالقدر- قد أنكره الله على المشركين، وإذا كان هذا مردودًا على المشركين؛ فكيف يصبح جائزًا لهؤلاء المتصوفة؟!

فقول المصنف هنا ربط للمقولة المتأخرة بالمقولة المتقدمة، والمقولة المتقدمة


(١) انظر: «شرح العبودية» للفوزان (ص ٧٦، ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>