للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرام، كما قد عُرف في موضعه. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل المتوكلين-يَلبس لَأْمَةَ الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب، حتى قال الكافرون: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان الآية: ٧]. ولهذا تجد كثيرًا ممن يرى الاكتساب ينافي التوكل يُرزقون على يد مَنْ يُعطيهم؛ إمَّا صدقة، وإمَّا هدية … " (١).

فالتوكل المشروع يكون بالأخذ بالأسباب، مع سؤال الله عز وجل العون والتوفيق والهداية والسداد على فعل الطاعات.

وقال ابنُ القيم: "وفي الأحاديث الصَّحيحة الأمر بالتَّداوي، وأنَّه لا يُنافي التوكل، كما لا يُنافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتمُّ حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نَصَبَها الله مقتضيات لمسبباتها قَدَرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يَقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويُضعفه من حيث يظنُّ مُعطلها أنَّ تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزًا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يَضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلَّا كان معطلًا للحكمة والشرع؛ فلا يجعل العبد عجزه توكلًا ولا توكله عجزًا» (٢).

وقال ابنُ حَجَر: «المراد بالتوكل: اعتقاد ما دَلَّت عليه هذه الآية: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود الآية: ٦]، وليس المراد به: ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين؛ لأنَّ ذلك قد يَجُرُّ إلى ضِد ما يَرَاه من التوكل، وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد، وقال: لا أعمل شيئًا حتى يَأتيني رزقي! فقال: هذا


(١) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ص ٢٧٠)، دار السلام، الطبعة المصرية الأولى، ١٤٢٦ هـ-٢٠٠٥ م.
(٢) «زاد المعاد في هدي خير العباد» (٤/ ١٥)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤١٥ هـ/ ١٩٩٤ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>