للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ بِلَفْظِ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ، وَلَفْظِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ، وَلَفْظِ الْمُؤَثِّرِ وَالْأَثَرِ، وَلَفْظِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ يُبَيِّنُ امْتِنَاعَ قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَوُجُوبَ حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ.

وَهُنَا أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ تَنَازَعُوا فِي الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ: هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِرَادَتُهُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَيُمْتَنَعُ مُقَارَنَتُهَا لَهُ؟ أَمْ يَجِبُ مُقَارَنَةُ إِرَادَتِهِ - الَّتِي هِيَ الْقَصْدُ - لِلْفِعْلِ، وَمَا يَتَقَدَّمُ الْفِعْلَ يَكُونُ عَزْمًا لَا قَصْدًا؟ أَمْ يَجُوزُ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا وُجُوبَ حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ: قَوْلُ مَنْ يُوجِبُ الْمُقَارَنَةَ، [وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ] مُمْتَنَعَةٌ، وَقَوْلُ مَنْ يُجَوِّزُ الْأَمْرَيْنِ. "

وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي الْقُدْرَةِ: هَلْ يَجِبُ مُقَارَنَتُهَا لِلْمَقْدُورِ [وَيُمْتَنَعُ تَقْدِيمُهَا]؟ أَمْ يَجِبُ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْمَقْدُورِ وَيُمْتَنَعُ مُقَارَنَتُهَا؟ أَمْ تَتَّصِفُ بِالتَّقَدُّمِ وَالْمُقَارَنَةِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَيْضًا.

وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْفِعْلِ وَمُقَارِنَةٌ لَهُ، فَلَا يَكُونُ [الْفِعْلُ] بِمُجَرَّدِ قُدْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُقَارِنَةٍ، وَلَا بِمُجَرَّدِ إِرَادَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُقَارِنَةٍ، بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِ الْأَثَرِ مِنْ وُجُودِ الْمُؤَثِّرِ التَّامِّ، وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ بِفَاعِلٍ مَعْدُومٍ حِينَ الْفِعْلِ، وَلَا بِقُدْرَةٍ مَعْدُومَةٍ حِينَ الْفِعْلِ، وَلَا بِإِرَادَةٍ مَعْدُومَةٍ حِينَ الْفِعْلِ، وَقَبْلَ [الْفِعْلِ] لَا تَجْتَمِعُ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْفِعْلِ، فَلَا يُوجَدُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، لَكِنْ قَدْ يُوجَدُ قَبْلَ الْفِعْلِ قُدْرَةٌ بِلَا إِرَادَةٍ، وَإِرَادَةٌ بِلَا قُدْرَةٍ، كَمَا قَدْ يُوجَدُ عَزْمٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ، فَإِذَا حَضَرَ وَقْتُ الْفِعْلِ قَوِيَ الْعَزْمُ فَصَارَ قَصْدًا، فَتَكُونُ الْإِرَادَةُ حِينَ الْفِعْلِ أَكْمَلَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَهُ، [وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ حِينَ الْفِعْلِ أَكْمَلُ مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>