للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تامٌّ، ومعلوم أنه ليس في المخلوقات شيء هو وحدَه علَّة تامَّة وسبب تامّ للحوادث، بمعنى أن وجودَه مستلزم لوجود الحوادث، بل ليس هذا إلا مشيئة الله تعالى خاصَّة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وأما الأسباب المخلوقة كالنار في الإحراق والشمس في الإشراق والطعام والشراب في الإشباع والإرواء ونحو ذلك، فجميع هذه الأمور سبب لا يكون الحادث به وحدَه، بل لا بدَّ من أن ينضمَّ إليه سبب آخَر، ومع هذا فلهما موانعُ تمنعهما عن الأثر، فكلُّ سبب فهو موقوفٌ على وجود الشروطِ وانتفاءِ الموانع، وليس في المخلوقات واحدٌ يصدُر عنه وحده شيء.

وهذا مما يبيِّن لك خطأَ المتفلسفة الذين قالوا: الواحِد لا يصدر عنه إلا واحدٌ، واعتبروا ذلك بالآثار الطبيعيَّة كالمسخن والمبرد ونحو ذلك. فإن هذا غلطٌ؛ فإنَّ التسخينَ لا يكون إلا بشيئين: أحدهما: فاعِل كالنار، والثاني: قابل كالجسم القابل للسخونة والاحتراق، وإلا فالنار إذا وقعت على السَمندل والياقوت لم تحرقه، وكذلك الشمس فإن شعاعَها مشروط بالجسم المقابل للشمس الذي ينعكس عليه الشعاع، وله موانع من السحاب والسقوف وغير ذلك، فهذا الواحِد الذي قدَّروه في أنفسهم لا وجودَ له في الخارج" (١).

وشيخ الإسلام ابن تيمية ضرب مثالًا موضحًا للمسألة فقال: "وبالتمييز بين هاتين القدرتَين يظهر لك قول من قال: القدرةُ مع الفعل، ومن قال: قبله، ومن قال: الأفعال كلُّها تكليف ما لا يطاق، ومن منَع ذلك؛ وتقف على أسرار المقالات، وإذا أشكل عليك هذا البيانُ فخذ مثلا من نفسك: أنت إذا كتبتَ بالقلم وضربتَ بالعصا ونجرت بالقدوم هل يكون القلَم شريكَك أو يضافُ إليه شيءٌ من نفس الفعل


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>