للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرح

بين المصنف رحمه الله هنا أهمية الشريعة المُلِحَّة بالنسبة للناس؛ فقال: "والإنسان مضطر إلى شرع في حياته الدنيا".

قال ابن تيمية: "فَالنُّفُوسُ أَحْوَجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ مِنْهَا إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ هَذَا إذَا فَاتَ حَصَلَ الْمَوْتُ فِي الدُّنْيَا. وَذَاكَ إذَا فَاتَ حَصَلَ الْعَذَابُ.

فَحَقَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بَذْلُ جُهْدِهِ وَاسْتِطَاعَتِهِ فِي مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ وَطَاعَتِهِ إذْ هَذَا طَرِيقُ النَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَالسَّعَادَةِ فِي دَارِ النَّعِيمِ. وَالطَّرِيقُ إلَى ذَلِكَ الرِّوَايَةُ وَالنَّقْلُ. إذْ لَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مُجَرَّدُ الْعَقْلِ" (١)

وقال ابن القيم رحمه الله: "حَاجَة النَّاس إِلَى الشَّرِيعَة ضَرُورِيَّة فَوق حَاجتهم إِلَى كل شَيْء، وَلَا نِسْبَة لحاجتهم إِلَى علم الطِّبّ إِلَيْهَا، ألا ترى أَنْ أَكثر الْعَالم يعيشون بِغَيْر طَبِيب، وَلَا يكون الطَّبِيب إِلَّا فِي بعض المدن الجامعة، وَأما أهل البدو كلهم وَأهل الكفور كلهم وَعَامة بني آدم فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى طَبِيب، وهم أصح أبدانًا، وَأقوى طبيعة مِمَّنْ هُوَ متقيد بالطبيب، وَلَعَلَّ أعمارهم مُتَقَارِبَة، وَقد فطر الله بني آدم على تنَاول مَا يَنْفَعهُمْ وَاجْتنَاب مَا يضرهم، وَجعل لكل قوم عَادَة وَعرفًا فِي اسْتِخْرَاج مَا يهجم عَلَيْهِم من الأدواء، حَتَّى إن كثيرًا من أصُول الطِّبّ إِنَّمَا أخذت عَنْ عوائد النَّاس وعرفهم وتجاربهم.

وَأما الشَّرِيعَة فمبناها على تَعْرِيف مواقع رضى الله وَسخطه فِي حركات الْعباد الاختيارية، فمبناها على الْوَحْي الْمَحْض، وَالْحَاجة إِلَى [الشريعة أكثر من الحاجة إلى] التنفس فضلًا عَنْ الطَّعَام وَالشرَاب؛ لِأَن غَايَة مَا يقدر فِي عدم التنفس وَالطَّعَام وَالشرَاب موت الْبدن وتعطل الرّوح عَنهُ، وَأما مَا يقدر عِنْد عدم الشَّرِيعَة ففساد الرّوح وَالْقلب جملَة" (٢).


(١) مجموع الفتاوى ١/ ٥.
(٢) مفتاح دار السعادة (٢/ ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>