للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زكاه بأمرين فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: ٢].

وعندما زكى النبي صلى الله عليه وسلم الخلفاء زكاهم بقوله: «الرَّاشدين المهديين» (١)، فعندما تجمع بين الآية والحديث تجد أنهما متقابلين فنفي الضلال هو ضد الرشد ونفي الغواية هي ضد الهدى.

والرشد يكون في العقل، قال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء الآية: ٦].

وهاتان القوتان (قوة العلم وقوة العمل) جمع بينهما النبي بقوله (أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ" (٢) لأن معنى (حارث) أي: عامل، ومعنى (همام): مريد.

قال ابن القيم رحمه الله: "وينبغي أن يعرف أن هاتين القوتين لا تتعطلان في القلب، بل إن استعمل قوته العلمية في معرفة الحق وإدراكه، وإلا استعملها في معرفة ما يليق به ويناسبه من الباطل، وإن استعمل قوته الإرادية العملية في العمل به، وإلا استعملها في ضده، فالإنسان حارث هَمَّام بالطبع، كما قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «أَصْدَقُ الأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ فالحارث: الكاسب العامل، والهمام: المريد، فإن النفس متحركة بالإرادة، وحركتها الإرادية لها من لوازم ذاتها، والإرادة تستلزم مرادًا يكون متصوَّرًا لها، متميزًا عندها، فإن لم تتصور الحق وتطلبه وتريده تصورت الباطل وطلبته، وأرادته ولا بد" (٣).

وقال رحمه الله- تعليقًا على سورة العصر-: "ولما كان الإنسان له قوتان قوة العلم وقوة العمل وله حالتان حالة يأتمر فيها بأمر غيره وحالة يأمر فيها غيره استثنى


(١) أخرجه الترمذي (٥/ ٤٤ رقم ٢٦٧٦) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه.
(٢) أخرجه أبو داود (٤/ ٢٨٧ رقم ٤٩٥٠).
(٣) إغاثة اللهفان (١/ ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>