للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه من كمل قوته العلمية بالإيمان وقوته العملية بالعمل الصالح وانقاد لأمر غيره له بذلك وأمر غيره به من الإنسان الذي هو في خسر، فإن العبد له حالتان حالة كمال في نفسه وحالة تكميل لغيره وكماله وتكميله موقوف على أمرين علم بالحق وصبر عليه فتضمنت الآية جميع مراتب الكمال الإنساني من العلم النافع والعمل الصالح والإحسان إلى نفسه بذلك وإلى أخيه به وانقياده وقبوله لمن يأمره بذلك" (١).

فبين ابن القيم- رحمه الله- أن مدار كمال العبد وسعادته وصلاحه في الدنيا والآخرة متوقف على الأمور الأربعة التي في سورة العصر، وهي الإيمان بالله (الذي هو قوته العلمية) والعمل الصالح (الذي هو قوته العملية)، والتواصي بالحق، (وهو الدعوة إلى الله)، والتواصي بالصبر، وهذه الأمور الأربعة هي مدار الشريعة.

وقال ابن القيم عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأعراف الأيات: ٢٩ - ٣٠].

"هذه الآية تضمنت قواعد الدين علمًا وعملًا واعتقادًا.

فقوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ {أمر سبحانه فيها بالقسط هو الذي هو حقيقة شرعه ودينه، وهو يتضمن التوحيد فإنه أعدل العدل، والعدل في معاملة الخلق، والعدل في العبادة، وهو الاقتصاد في السنة.

وقوله} وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {يتضمن الأمر بالإقبال على الله وإقامة عبوديته في ثبوته، ويتضمن الإخلاص له وهو عبوديته وحده لا شريك له فهذا ما فيها من العمل.


(١) التبيان في أقسام القرآن (ص: ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>