للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي هُوَ الصَّبْر.

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم لَا يألونكم خبالا} [آل عمران الآية: ١١٩]، إِلَى قَوْله: {وَإِنْ تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا إِنْ الله بِمَا يعْملُونَ مُحِيط} [آل عمران الآية: ١٢٠]، وَقَالَ تَعَالَى {بلَى إِنْ تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هَذَا يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين} [آل عمران الآية: ١٢٥].

وَقَالَ تَعَالَى: {لتبلون فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا وَإِنْ تصبروا وتتقوا فَإِنْ ذَلِك من عزم الْأُمُور} [آل عمران الآية: ١٨٦]، وَقد قَالَ يُوسُف: {أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي قد من الله علينا إِنَّه من يتق ويصبر فَإِنْ الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ} [يوسف الآية: ٩٠].

وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني وَنَحْوه من المشائخ المستقيمين يوصون فِي عَامَّة كَلَامهم بِهَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ المسارعة إِلَى فعل الْمَأْمُور والتقاعد عَنْ فعل الْمَحْظُور وَالصَّبْر وَالرِّضَا بِالْأَمر الْمَقْدُور.

وَذَلِكَ أَنْ هَذَا الْموضع غلط فِيهِ كثير من الْعَامَّة بل وَمن السالكين:

فَمنهمْ من يشْهد الْقدر فَقَط وَيشْهد الْحَقِيقَة الكونية دون الدِّينِيَّة فَيرى أَنْ الله خَالق كل شَيْء وربه وَلَا يفرق بَين مَا يُحِبهُ الله ويرضاه وَبَين مَا يسخطه ويبغضه وَإِنْ قدره وقضاه وَلَا يُمَيّز بَين تَوْحِيد الألوهية وَبَين تَوْحِيد الربوبية فَيشْهد الْجمع الَّذِي يشْتَرك فِيهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات سعيدها وشقيها مشْهد الْجمع الَّذِي يشْتَرك فِيهِ الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْبر والفاجر وَالنَّبِيّ الصَّادِق والمتنباء الْكَاذِب وَأهل الْجنَّة وَأهل النَّار وأولياء الله وأعداؤه وَالْمَلَائِكَة المقربون والمردة الشَّيَاطِين

فَإِنْ هَؤُلَاءِ كلهم يشتركون فِي هَذَا الْجمع وَهَذِه الْحَقِيقَة الكونية وَهُوَ أَنْ الله رَبهم وخالقهم ومليكهم لَا رب لَهُمْ غَيره.

وَلَا يشْهد الْفرق الَّذِي فرق الله بِهِ بَين أوليائه وأعدائه وَبَين الْمُؤمنِينَ والكافرين والأبرار والفجار وَأهل الْجنَّة وَالنَّار وَهُوَ تَوْحِيد الألوهية وَهُوَ عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ وطاعته رَسُوله وَفعل مَا يُحِبهُ ويرضاه وَهُوَ مَا أَمر بِهِ وَرَسُوله أَمر إِيجَاب أَوْ أَمر اسْتِحْبَاب وَترك مَا نهى الله عَنهُ وَرَسُوله

<<  <  ج: ص:  >  >>