للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الإخلاص): إذ إنَّ أعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاءهم لله، ومنعهم لله، وحُبَّهم لله، وبُغضهم لله؛ فمعاملتهم ظاهرًا وباطنًا لوجه الله وحده، لا يُريدون بذلك من الناس جزاء ولا شكورا، ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمدة، والمنزلة في قلوبهم، ولا هربًا من ذَمِّهم، بل قد عَدُّوا الناس بمنزلة أصحاب القبور، لا يملكون لهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا؛ فالعمل لأجل الناس، وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجاؤهم للضر والنفع منهم- لا يكون مِنْ عارف بهم البتة، بل من جاهل بشأنهم، وجاهل بربِّه؛ فمَن عرف الناس أنزلهم منازلهم، ومَن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله، وعطاءه ومنعه وحبه وبغضه، ولا يُعامل أحد الخلق دون الله إلا لجهله بالله وجهله بالخلق، وإلا فإذا عرف الله وعرف الناس آثرَ معاملة الله على معاملتهم.

(المتابعة): وكذلك أعمالهم كلها وعبادتهم موافقة لأمر الله، ولما يحبه ويرضاه، وهذا هو العمل الذي لا يَقبل الله مِنْ عامل سواه، وهو الذي ابتلى عباده بالموت والحياة لأجله؛ فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، على متابعة أمره، وما عدا ذلك فهو مردود على عامله، يُرد عليه أحوج ما هو إليه هباء منثورًا، وكل عمل بلا اقتداء؛ فإنَّه لا يزيد عامله من الله إلا بُعدًا، فإنَّ الله تعالى إنما يُعبد بأمره، لا بالآراء والأهواء.

القسم الثاني: مَنْ لَا إِخْلَاصَ لَهُ ولَا مُتَابَعَةَ:

فَلَيْسَ عَمَلُهُ مُوافِقًا لِشَرْعٍ، ولَيْسَ هُو خَالِصًا لِلمَعْبُودِ؛ كَأَعْمَالِ المُتَزَيِّنِينَ لِلنَّاسِ، المُرَائِينَ لَهُمْ بِمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ ورَسُولُهُ؛ فَإِنَّهُمْ يَرْتَكِبُونَ الأمور التي لم يَشرعها الله، ويجمعون معها الرِّيَاءَ والسُّمْعَةَ، فَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوهُ مِنَ الِاتِّبَاعِ والإِخْلَاصِ والعِلمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>