أمَّا الصنف الأول المغالي: فهو يشهد أنه مجبور على أفعاله، وأن الله هو المتصرف فيه، كما يحرك سائر المحركات، ويزعم أنه لما شهد ذلك ارتفع عنه الأمر والنهي والوعد والوعيد، لأنه وصل إلى مرتبة في التصوف؛ بحيث لا يرى لنفسه فعلًا، ويرى أنه متحرك كسائر المتحركات، فعند هذا لا يلزمه الأمر والنهي.
يحتجون بالحقيقة الكونية لا يطردون هذا القول، أي: لا يستمرون عليه، ولا يلتزمونه في كل أمورهم، وإنما يتبعون آراءهم وأهواءهم؛ فمتى ما كان القدر يناسب آراءهم وأهواءهم أخذوا به، وأما إذا كان القدر لا يناسب آراءهم وأهواءهم لم يأخذوا به، كما قال بعض العلماء:«عند الطاعة قدرية، وعند المعصية جبرية»، فأي مذهب وافق أهواءهم تمذهبوا به.
فترى الواحد منهم عند الأمر يحتج بالقدر؛ فيقول: لو شاء الله أن أُصَلِّي سأصلي، وإن لم يشأ أن أُصلي فلن أصلي!
وأمَّا في جانب المعصية، فيقول: أنا مجبور على فِعلها، لا أستطيع أن أخالف فِعل الله فيَّ!
فلماذا لا يقول: أنا مجبور على الطاعة؛ سأقوم وأُصلي؛ لأنني مجبور.
فهو إذا جاء باب الطاعة أصبح قدريًّا؛ فيحتج بالقدر على تركها.
وإذا جاء باب المعصية أصبح جبريًّا؛ يزعم أنه مجبور على فعلها ..
فيتمذهب بالمذهب الذي يُوافق هواه؛ لينسلخ من الأوامر، وليقترف من النواهي ما شاء، والعياذ بالله.
وأمَّا الصنف الثاني: وهم الذين يدعون التحقيق والمعرفة، ويزعمون أن الأمر والنهي لازم لمن شهد لنفسه أفعالًا وأثبت له صفات، يعني: إذا كان العبد لم يصل إلى الدرجة المطلوبة من التصوف؛ بحيث يرى أنه فاعل لهذه الأشياء، وأن في هذه