النفس هذه الصفات، فيقولون: هذا يلزمه أن يأتي بالأوامر والنواهي، بمعنى: أنه إذا كان من المريدين، أو كان من عوام الناس فعليه أن يلتزم بالأوامر والنواهي؛ لأن هذا لم يصل إلى درجة ورتبة من هذا الشهود؛ بحيث إنه لا يشهد لذات نفسه فعلًا، فقال: يزعمون أن الأمر والنهي لازم لهذا الصنف من الناس، لمن شهد لنفسه أفعالًا، وأثبت لها صفات.
فالمتصوفة يرون أنه في حال وصول هذا الشخص إلى رُتبة مُعينة- تسقط عنه الأوامر والنواهي، وقد يقولون:(مَنْ شهد الإرادة سقط عنه التكليف).
فإذا وصل إلى مرحلة شهود الله عز وجل وأنه الفاعل لكل شي على الحقيقة وأنهم لا فعل لهم ولا مشيئة، على حدِّ زعمهم- فهذا لا تكليف عليه، وكما سيأتي أنهم يقولون في هذا: إنه يصبح مثل البَحر؛ لا تضره الذنوب، كما أن الأوساخ لا تؤثر في البحر الخضم. أي: لا يتأثر بذنب ولا ينتفع بطاعة، وهذا من استدراج الشيطان لهم، والعياذ بالله.
ويزعمون أن الخضر سقط عنه التكليف؛ لشهوده الإرادة؛ لأنه- من الأولياء، والأولياء لهم مَرتبة تُسقط عنهم التكاليف.
فيُفرقون بين العامَّة والخاصة؛ فالخواص تسقط عنهم الأوامر والنواهي، ويكتفون بشهود الحقيقة الكونية، قال المصنف:«وقد يفرقون بين مَنْ يعلم ذلك علمًا وبين مَنْ يراه شهودًا»، أي: لا يكتفون بمجرد العلم؛ فبعضهم قال: إذا كان هذا الشخص علم هذه الأمور دون أن يشهد ذلك شهودًا، أي: تُكشف له الحجب، ويكون مع الحضرة الإلهية مشافهة، فإذا لم يصل إلى مرحلة الكشف، فيظل على التزام بالأوامر والنواهي، بمعنى: أنه لا يسقط عنه التكليف حتى يُكشف له الحجاب، وحتى يرى الله مشاهدة.